وأردت أن أشكر الله على نجاة حياتي، فرفعت يدي اليمنى إلى جبهتي، ولكنها أمسكت في سرعة بذراعي وأنزلته واحتضنتني بقوة.
ويخيل إلي أني ما زلت أرى تلك الحجرة، أي فراش! أية ستائر صغيرة! ... أية جدران! أي سقف! كلها بيضاء كاللبن! ومصباح المائدة، وكل هذه المفارش المطرزة برسوم متباينة كانت دافئة في دفء الجو الذي تهيئه الدجاجة لصغارها تحت جناحها، ثم رائحة التفاح والكمثرى البرية!
وكنت سأستمر مقيما في فندق مانيوالا لزمن طويل آخر لولا أن حماي الحكمدار يورداكي - قبض الله روحه - أتى صاخبا وانتزعني منه، ولقد هربت من بيته ثلاث مرات قبل الخطبة لأعود إلى الفندق، حتى كان يوم قبض علي فيه هذا العجوز، الذي أراد زوجا لابنته بأي ثمن، وكان القبض بواسطة أعوانه مكبل الأيدي والأرجل! وقادوني إلى دير في الجبل حيث قضيت أربعين يوما في الصوم والتسبيح وحضور القداس، وخرجت منه بعد التكفير لكي أخطب وأتزوج، وبعد ذلك بوقت طويل بينما كنت جالسا في ليلة شتاء صافية أنا وحماي على نحو ما يحدث كثيرا بالريف وأمامنا زجاجة نبيذ، دخل حارس المزرعة قادما من المدينة حيث كان يقوم ببعض المشتريات، وأخبرنا أن حريقا فظيعا قد هدم عند الفجر قرية هاكولستي، وأن فندق مانيوالا قد احترق من أعلاه إلى أسفله، ودفن تحت كومة من الفحم المحترق جثة مدام مرجيولا المسكينة.
وقال حماي - ضاحكا: وأخيرا التهمت النيران تلك الساحرة.
ورجاني حماي أن أقص عليه مرة أخرى وبعد مرات عديدة سابقة هذه الحكاية التي سمعتوها، والحكمدار يقسم أن المرأة كانت قد وضعت في قلنسوتي عملا مسحورا، وأن الجدي والقط كانا شيئا واحدا!
فقلت: كيف ذلك؟
فأجاب: صدقني ... لقد كانت الشيطان نفسه.
وأجبت: ربما ... ولكني إذا كان الأمر كذلك، فيبدو أن الشيطان قد يريد لك الخير أحيانا! - إنه يبدأ بذلك لكي يخدعك، ثم يقودك بعد ذلك إلى الهاوية التي يلقي بك فيها. - ولكن ماذا تعرف أنت عن ذلك؟ - فأجاب العجوز: ليس هذا من شأنك، إن له قصة أخرى.
باربي ديلا فرانسيا (1852-1918)
ينحدر ديلا فرانسيا من أسرة ريفية من البرجوازية الصغيرة؛ ولذلك احتفظ دائما بالحنين إلى الحياة الريفية، يوجه به ما تثيره في نفسه ضجة العاصمة من مضاضة، وبالرغم من أنه كان محاميا وخطيبا كبيرا ونائبا في البرلمان ووزيرا، إلا أنه يدين بشهرته لعمله الأدبي، فقصصه وحكاياته التي ابتدأها في سنة 1883 بقصة «سلطانيكا» تبعث الحياة في القرية الرومانية بكل ما فيها من شعر وصراعات درامية، وأما عندما يصور أخلاق المدينة، فإنه يستهدف الكشف عما فيها من فساد ورذائل على نحو ما فعل في قصص «لانكوموروا» و«الطفيليون» و«السيد موكيا»، و«الحاج تودوز»، و«اليوم السابق على الانتخاب» ... إلخ، وأحيانا يتحول ديلا فرانسيا إلى شاعر مرهف في حكاية الذكريات على نحو ما فعل عندما قص - في رشاقة وعاطفية - ذكريات طفولته في «الجد» و«الجدة».
Unknown page