وكان في وجهها ذلك الجمال الذي اشتهرت به نساء رومانيا، وإن يكن اختلاط الأجناس قد انحط به، وكانت حزينة كالزهرة التي تتعرض للشمس دون ظل يحميها، فهي قد رأت أقاربها يموتون، ورأت أحد أخويها يتخلى عن دينه، كما رأت الآخر يقتله أعداؤه.
وقد كان من المقرر أول الأمر أن تتزوج من «يولد» الذي لم تكن تعرفه مجرد معرفة، ولكن الشعب تصرف في قلبها دون استشارتها، واضطرها أن تصبح زوجة للأمير إسكندر الذي أطاعته وكأنه مولاها وسيدها، وودت أن لو أحبته، ولكنها لم تجد عنده أقل قدر من الحساسية.
اقتربت وانحنت وقبلت يده، فطوقها لابوشنيانو من خصرها، ورفعها كالريشة، ثم أجلسها على ركبتيه، ثم طبع على جبهتها قبلة، وهو يقول: ما الأمر يا أميرتي الحسناء؟ وما الذي جعلك تتركين مغزلك مع أن اليوم ليس يوم عيد؟! ومن الذي أيقظك مبكرا هذا الصباح؟ - إنهن الأرامل اللائي بللن بدموعهن عتبة بابي، وهن يصحن طالبات الانتقام من الرب، ومن العذراء المقدسة لكل ما تريق من دماء.
فأربد وجه لابوشنيانو، وأرخى ذراعه عن خصرها، وخرت روكساندرا عند قدميه وهي تقول: آه يا سيدي وزوجي الشجاع! كفى إراقة دم وكفى أرامل وأيتاما، فأنت يا صاحب العظمة بالغ القوة، ولا يمكن أن ينال منك شيئا هذا النفر من النبلاء المساكين، وما الذي ينقصك يا مولاي؟ وأنت لست في حرب، والشعب هادئ وخاضع، وأما أنا فالله يعلم كم أحبك، وأطفالك صغار وحسان، وأذكر أننا جميعا مقضي علينا بالموت، وأنت نفسك يا صاحب العظمة فان وسوف تقدم حسابا ، ولا يمكن أن يكفر بناء الأديرة عن إراقة الدماء، كما أن محاولة تهدئة الله ببناء الكنائس يعتبر تحديا له.
فصاح بها لابوشنيانو قائلا: اخرسي أيتها المرأة الحمقاء.
ثم نهض فجأة واضعا يده - كما جرت العادة - على الخنجر المعلق في حزامه، ولكنه عاد بسرعة إلى السيطرة على نفسه، وانحنى لينهض روكسندرا وهو يقول لها: يا سيدتي، لا تتركي مثل هذه الأقوال الحمقاء تخرج من فمك، وأنا في الواقع لا أدري ماذا يمكن أن يحدث، توجهي بالشكر إلى القديس ديمتري الشهيد العظيم الذي يوزع الزيت المقدس، ويحمي الكنيسة التي بنيناها في بانجاراتزي، إذ منعني من ارتكاب خطيئة عندما ذكرني أنك أم أطفالي. - لن أسكت ولو لقيت حتفي، فبالأمس وأنا داخلة إلى القصر ألقت امرأة وأطفالها الخمسة بأنفسهم أمام عربتي لكي يوقفوني ويطلعوني على رأس مثبتة بالمسامير على الباب.
وقالت المرأة: «إنك ستحاسبين يا سيدتي على تركك زوجك يذبح أبناءنا وأزواجنا وإخوتنا، انظري يا سيدتي ... ها هو زوجي أبو هؤلاء الأطفال الخمسة الذين أصبحوا يتامى ... انظري جيدا.» وأرتني الرأس الملطخة بالدماء ... ونظرت إلى تلك الرأس نظرة مروعة! آه يا سيدي ... منذ تلك اللحظة وأنا أرى تلك الرأس وأرتعد، ولم أعد أعرف طعم الراحة.
وقال لابوشنيانو - وهو يبتسم: وماذا تريدين؟
أريد أن توقف سفك الدماء وأن توقف المذابح، ولا أريد أن أرى رأسا مقطوعة؛ وذلك لأن قلبي يتمزق.
وأجاب الأمير إسكندر: لن تري ابتداء من بعد غد ... وأنا أعدك بذلك، وغدا سأعطيك دواء ضد الخوف.
Unknown page