وفي سنة إحدى عشرة [من المبعث]: اجتهد ﷺ في عرض نفسه على القبائل في مجامعهم بالمواسم: منى وعرفات ومجنّة وذو المجاز (١)، وكان عمه أبو لهب يقفو أثره، فكلما دعا قوما .. كذبه وحذرهم منه. ولما أراد الله إعزاز دينه وسياقة الخير إلى الأنصار .. لقي ستة نفر من الخزرج عند العقبة، فعرض عليهم ما عرض، فقالوا فيما بينهم: والله؛ إنه للنبي الذي تواعدنا به يهود، فلا تسبقنا إليه، ثم صدّقوه وآمنوا بما جاء به، وأخبروه أنهم خلّفوا قومهم وبينهم العداوة والبغضاء، وقالوا: إن جمعنا الله بك .. فلا رجل أعز منك (٢). وهم فيما ذكر ابن إسحاق وغيره: أبو أمامة أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان (٣)، ولما قدموا المدينة وأخبروا قومهم بذلك .. فشا فيهم الإسلام، فلم يبق دار من دورهم .. إلا وفيها ذكر من رسول الله ﷺ. [قصة الإسراء]: ولتسعة أشهر من الثانية عشرة، قبل الهجرة بسنة-كما صوبه الحافظ العامري (٤) -: أسري به ﷺ من المسجد الحرام من بين زمزم والمقام إلى المسجد الأقصى؛ وهو بيت المقدس، ثم إلى السماوات العلا، ثم إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وفارقه جبريل، وانقطعت منه الأصوات، وسمع صريف الأقلام في اللوح المحفوظ، ثم

= على تزويجه بسودة بنت زمعة، ولكن دخوله على سودة كان بمكة، وأما دخوله على عائشة .. فتأخر إلى المدينة في السنة الثانية).قال الصالحي في «سبل الهدى والرشاد» (١٢/ ١٠٤) -بعد ذكره قول ابن كثير-: (وسبقه إلى ذلك أبو نعيم، وجزم به الجمهور). (١) مجنّة-بفتح الجيم وتكسر-: موضع بمر الظهران أسفل مكة، وذو المجاز: قرب عرفة عن يمين الواقف. (٢) انظر الخبر في «سيرة ابن هشام» (٢/ ٤٢٨)، و«تاريخ الطبري» (٢/ ٣٥٣). (٣) «سيرة ابن هشام» (٢/ ٤٢٩)، و«طبقات ابن سعد» (١/ ١٨٦)، و«تاريخ الطبري» (٢/ ٣٥٤)، و«دلائل النبوة» لأبي نعيم (٣٩٣/ ١ و٤٠٥)، و«دلائل النبوة» للبيهقي (٢/ ٤٣٣)، و«المنتظم» (٢/ ١٥٤). وعند ابن سعد في «الطبقات» (١/ ١٨٦)، والبيهقي في «الدلائل» (٢/ ٤٣٠)، وعند موسى بن عقبة عن الزهري عن عروة-كما في «سبل الهدى والرشاد» (٣/ ٢٦٨) -أنهم ثمانية: معاذ بن عفراء، وأسعد بن زرارة، ورافع بن مالك، وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلّد بن عامر، وعبادة بن الصامت، ويزيد بن ثعلبة، وأبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة. (٤) انظر: «بهجة المحافل» (١/ ١٢٩).