وقهقه خمارويه ضاحكا، والتفت إلى ابنته يقول: «كيف رأيت يا بنية؟»
قالت الفتاة مبتسمة: «تشبه السباع يا أبت أن تكون آدمية.»
92
ثم تحولت تنظر إلى الجانب الآخر من البستان حيث قامت النخيل باسقة قد كسيت أجسامها رقائق النحاس المذهب، فبدت كأنها أساطين من الذهب قائمة قد غرست فنمت وأثمرت، وتدلى قطافها ياقوتا أحمر، وكان الماء المدبر ينبثق من أنابيب قد غابت في الجذوع الذهبية، فما يرى منها إلا قطر متتابع يتدحرج على أساطين الذهب كأنه تحت ضوء الشمس حبات من لولو منتثر، ثم لا يزال يقطر متتابعا حتى يتجمع في أصول النخل، إلى فساقي معمولة يفيض الماء منها إلى قنوات تتفرع بين شعاب البستان متلوية، ولها تحت الشمس بريق وشعاع.
وكان البستاني يعمل بمقراضه في الرياحين الملونة على أرض البستان، فلا يزال يدور حواليها عن يمين وشمال ومقراضه في يده يقص من أطرافها ما يقص ويعفي ما يعفي، ثم انتصب ووقف ينظر إلى الرياحين وقد سواها بمقراضه كتابة ناطقة ذات معان، وبرزت لعين الأمير في شرفته كأنه يقرأ منها في صحيفة ...
وطابت نفس الأمير وافترت شفتاه عن ابتسامة راضية، ثم نزل عن دكته واتخذ طريقه إلى دار الحرم يقدمه «زريق» حارسه، وتصحبه ابنته قطر الندى، وغلقت أبواب القبة وأسدلت الستور على الشرفات ... •••
ودخل على الأمير غلامه برمش فقال: «يا مولاي قد أحضرنا الجوهري.»
قال الأمير: «يدخل.»
فدخل شاب عليه زي أهل العراق، في وجهه طول، وفى عينيه سعة، وقد امتدت منابت الشعر من رأسه حتى كادت تبلغ حاجبيه، وتدلت على فمه شعرات من شاربه، وكان في يده صرة قد جمع عليها أصابعه يحذر أن تفلت ...
ونظر إليه الأمير فاحصا ثم قال في جفوة: «ما اسمك؟»
Unknown page