Qahira
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Genres
5
وعدم إيجاد ساحات انتظار للسيارات في المجاورات السكنية، أو حول محلات السوبر ماركت و«المول»، وعدم تنفيذ جراجات لكل عمارة رغم النص عليه في تراخيص البناء، أو تحويل الجراجات إلى محلات ومخازن رغم أنف القانون، وكلها تعبير عن أنانية متفاقمة، وتسيب، وعدم الالتزام بالقوانين. هذا فضلا عن قصور معظم الناس عن الاستخدام الأمثل للسيارات الخصوصية أو العامة؛ مما يسبب مزيدا من عدم انضباط الشارع القاهري.
وفي مقابل هذه المشكلات الكثيرة لم تقدم الدولة والجهاز الإداري المختص بالقاهرة ما يجب أن يتم من خلال خطة متكاملة تخدم مستويات زمنية متصاعدة. بل كانت الحلول غالبا وقتية وجزئية دون مساس بالجوهر أو إحاطة بالشمول، وكان إنشاء لجنة القاهرة الكبرى في الستينيات - التي ورثتها وزارة التعمير والإسكان، ثم أضيف إليها عبارة: «المجتمعات العمرانية الجديدة» كوصف طنان - عملا جيدا من الناحية النظرية، ولكن أعمال هذه اللجنة ووزارة الإسكان فيما بعد، من حيث التفكير في إنشاء مدن جديدة وتنفيذها في صورة حلقة حول القاهرة بغرض استيعاب الزيادة المستمرة في سكان ونشاط القاهرة، لا تشكل الحل الأمثل لمشكلة القاهرة.
ذلك أنه في الواقع - وبغض النظر عن الصعوبات التي تواجه إنشاء حلقة المدن الإضافية في مواقع صحراوية تحتاج إلى إمدادات مياه في الوقت الذي نعاني فيه من محدودية موارد مياه النيل، الذي لا يستطيع أن يعطي إلى ما لا نهاية - فإن النتيجة النهائية هي خلق مشكلة قاهرة أكبر من الكبرى، وأعقد من الحالية. فطبيعة العمران المديني أن يزحف تجاه بعضه طالما كانت المسافات الفاصلة غير كبيرة مع استمرار تأثير عوامل النمو، ومن ثم يزحف العمران من القاهرة صوب المدن الإضافية القريبة، والعكس صحيح باعتبار أن المدن الإضافية سوف تنظر دائما صوب القاهرة بما فيها من مراكز القوة والجذب، وتعطي ظهرها لجبهات التوسع التي يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن المجال المغناطيسي للقاهرة.
النمو الانفجاري للمدن
ليست كل المدن متساوية في درجة النمو لسبب أو آخر، كما أن درجات نموها ليست ثابتة على المقياس الزمني، ومن أهم أسباب ذلك: (1)
موقع وموضع مدينة ملائم في الماضي وغير ملائم في الحاضر، مستجيب أو غير مستجيب لتطورات الحضارة، والمبتكرات الآلية، وشبكة المواصلات. (2)
أنشطة اقتصادية نامية أو خامدة أو كامنة تتفجر مع تغيرات جذرية في تكنولوجية الإنتاج ونظريته، واستعداد الناس للتكيف مع الجديد من المستحدثات. (3)
نمو أو سقوط الوظيفة الأساسية للمدينة لتغيرات جذرية في الوضع العام السياسي والإداري والإستراتيجي والاقتصادي والثقافي للمدينة. فقد فقدت إسطنبول الوظيفة السياسية في تركيا الحديثة مقابل نمو أنقرة العاصمة السياسية، لكن انتقال العاصمة لم تكن له آثار سلبية على إسطنبول بحكم موقعها وتاريخها الأطول من القاهرة. (4)
وهناك عوامل أخرى تشترك معا بدرجات متفاوتة، تبرز بعضها أحيانا من لا شيء، مثل مدن البترول والتعدين عامة. ومجموع هذه العوامل تحدث على مر الزمن التغيرات التي تطرأ على المدن في نموها أو ثباتها أو تدهورها، أو عودتها إلى مقدمة الحياة في الإقليم مرة أخرى في صورة يشارك في تكوينها نظريتا دورة الحياة وعدم فناء المادة، وقد مرت القاهرة بهذه المراحل وعادت إلى رأس الحياة المصرية مرات عدة أبرزها العودة في العهد المملوكي بعد الركود الفاطمي، والعودة في العصر الحديث بعد الركود العثماني.
Unknown page