Qahira
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Genres
فهل سيأتي اليوم الذي يتشابه فيه عمران الجيزة مع عمران القاهرة داخل منظومة القاهرة الكبرى؟ لقد نما سكان محافظة القاهرة في الفترة بين تعدادي 1986-1996 بنسبة 11,2٪ بينما نمت أجزاء ومراكز الجيزة الداخلة في القاهرة الكبرى بنسبة 24,8٪ لنفس الفترة التعدادية - وذلك حسب التعداد الرسمي 1996 - وبعبارة أخرى: إن أقسام الجيزة تنمو بنسبة هي ضعف القاهرة على الأقل. فهل يعني ذلك أن محافظة القاهرة قد وصلت إلى حد التشبع بحيث تنمو - نظريا - بنسبة 1,1٪ سنويا، وأن الدور في تسارع النمو السكاني الآن هو في منطقة الجيزة؟ ومتى تصل الجيزة إلى حد التشبع؟ وهل تترك الأمور على ما هي عليه أم تتخذ قرارات متشددة بمنع تحويل الحقول الزراعية إلى حقول من غابات الطوب والإسمنت الفقير البشع كما نلاحظه الآن في أطراف القاهرة الكبرى الشمالية والغربية؟ ومتى؟ (3-7) دينامية النمو بين ابتلاع القرى والابتلاع المعاكس
هذا الشكل من النمو مألوف في معظم مدن العالم، وفي القاهرة حدث ابتلاع لعدد كبير من القرى والعزب، من أهمها: منية السيرج في شبرا، وقرى كثيرة في اتجاه الشمال منها: المطرية والقصيرين والأميرية، وكفر الجاموس في امتداد جسر السويس، ومن الأمثلة التي رأيناها رأي العين: ابتلاع عزبة العجوزة عندما أخذ النمو العمراني يتقدم من الدقي شمالا. ظلت العجوزة محتفظة بطابعها السكني القروي فترة وإن تحولت العمالة الزراعية إلى أعمال أخرى بعد التفاف العمران الحديث حولها، وترتب على ذلك ارتفاع قيمة أرض القرية؛ مما دعا أهل القرية إلى هدمها أو بيعها، وتحول الإسكان إلى عمائر فاخرة، والصورة تتكرر الآن في ميت عقبة في منطقة المهندسين ومعظم القرى غرب إمبابة وشمالها الغربي، وإن كان النمط حول إمبابة هو اتجاه السكن الفقير وليس الفاخر أو فوق المتوسط.
ولكن الملاحظ أن هناك دينامية أخرى معاكسة كأنها رد فعل للنمو العمراني الحديث الذي أدى إلى إذابة نمط القرية التي تقع تحت وطأته. فالقرى كبيرة الحجم أو التاريخية أو هما معا تتحول وظيفتها من الزراعة إلى أنشطة أخرى تؤدي بالمستفيدين الجدد من نفس القرية إلى تغيير نمط البيت الريفي إلى البناء بالطوب والأسمنت، وبذلك تتحجر مقاومة القرية للتحلل، ولكن لأن مساحات المباني الأصلية عادة صغيرة، أو صغرت بالميراث، فإن القرية بشكلها الجديد تصبح كثيفة البنيان وكثيفة السكان العاملين في مهن كثيفة العمالة بالقياس إلى الزراعة، وبالتالي تصبح جاذبة للسكن المتوسط والفقير، وحين يتم ذلك تتحول إلى الزحف حولها سواء كان ذلك في أرض زراعية ملاصقة أو إسكان غني من نمط الفيلات التي هجرها أهلها بواسطة تقسيم الإرث وغيره من الأسباب سالفة الذكر، وأصبحت بذلك مكونا أرضيا في سوق العرض والطلب على الأراضي، وقد حدث هذا أيضا أمام أعيننا في منطقة كالزيتون والمطرية حين زحف الإسكان الكثيف والفقير على مناطق الفيلات السابقة التي كانت طوال النصف الأول من القرن العشرين ضواح مترفة إلى متوسطة الإسكان.
وقد يحدث مثل ذاك في منطقة ميت عقبة حيث الصراع بين نمطي السكن الفقير وبين الغني والمتوسط ما يزال محتدما؛ لأن عمران المهندسين والصحفيين الحديث لم يتعد جيلين. وربما يساعد شق طريق رئيس في قلب ميت عقبة، هو محور 26 يوليو، على إضعاف مقاومتها للابتلاع، ولكن طوق النجاة لميت عقبة ومثيلاتها قد يتمثل في ضرورة احتياج الأحياء الغنية وفوق المتوسطة الدائم إلى وجود أحياء أقل مستوى تقوم بتقديم خدمات من أنواع عديدة، وبخاصة التجارة الصغيرة لمواد الغذاء. (3-8) النمو الطفيلي أو العشوائي
على عكس ظاهرة ابتلاع القرى المجاورة، يحدث أن تأتي جماعة مهاجرة أو أفراد من الفقراء و«تزرع» نفسها على أطراف المدينة الكبيرة مكونة - تجاوزا - «مساكن» فقيرة جدا. هذا هو النمو الطفيلي للمدن، ومساكن مثل هذه التجمعات تستخدم الصفيح أو ما يشبه ذلك من مواد مستهلكة سابقة الاستخدام كالأخشاب والكرتون والأقمشة، وما إلى ذلك مما يصنع فواصل وسقفا يمكن العيش تحته، وتسمى عادة: «العشش» أو «عزبة» أو «منشأة». أما الحكر فهو مناطق «متدنية السكن والموارد المالية» داخل المدينة مما يسمى
slum
التي ليس لها ترجمة عربية واضحة الآن.
وحين تلف المدينة حول هذا النمو الطفيلي بحيث يصبح داخل المدينة، فإن العشش تتحول بالميراث، ووضع اليد إلى أحياء متدنية مكدسة بالناس والفقر، مثال ذلك: عشش الشيخ علي جنوب بولاق، أو عشش زينهم بين طولون والسيدة، وقد أزيل معظم هذه العشش لارتفاع سعر أراضيها، وحلت محلها إما بنايات ووزارات على واجهة النيل، وإما بإقامة حي سكني شعبي؛ لتحسين الأوضاع السكنية والاجتماعية لسكان تلال زينهم.
ومن أمثلة هذه التجمعات السكنية: عزبة الصفيح شمال الشرابية، وعزبة الهجانة ومنشأة ناصر في شرق القاهرة، وعزبة «أبو حشيش» في الزيتون. والظاهرة المميزة في منطقة القاهرة ما كان في الماضي من وجود مضارب فقيرة للبدو الذين يعيشون على حافة الصحراء يرعون قطعانا من الماعز. وقد تحولت بعض هذه المضارب إلى عزب مبنية باللبن، ومن أهم أمثلتها: عرب الحصن وعرب الطوايل بالمطرية، وعزبة جبريل شرقي المعادي، وأكبرها الآن منشأة ناصر والدويقة على سفح وعر لحافة المقطم شرق القلعة، وعزبة الهجانة على طريق السويس شمال مدينة نصر، وحي المنيرة الغربي في غرب إمبابة، والكثير من السكن في قسم ثان لشبرا الخيمة، والكثير جدا من السكن في المنطقة الممتدة بين المعصرة وحلوان، وأخيرا معظم المنطقة الممتدة بين دار السلام والبساتين شمال المعادي. وسوف نعالج هذا الموضوع المهم والخطير بشيء من التفصيل فيما بعد. (3-9) المدن الجديدة
وفي هذا المجال لا يكون النمو المديني تلقائيا أو معتمدا على المبادأة الفردية، إنما يرتبط بعدة أمور؛ منها الإحساس بضرورة التخطيط من أجل: (1)
Unknown page