Qahira
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Genres
وفي حالة القاهرة يمكن تتبع نموها على البعدين الزماني والمكاني على ضوء معظم الأشكال التي يتم بها النمو المديني ، وهذه الأشكال هي: (أ)
النمو من نواتين مدنيتين أو أكثر والتحامهما معا. (ب)
النمو المركزي من نواة واحدة، ثم النمو التدريجي حولها. (ج)
النمو المخطط، وسوف تعالج هذه الأشكال ضمن تتبع حركة النمو لأجزاء القاهرة وأقسامها الجغرافية كل على حدة. (3-1) المنطقة المركزية من القاهرة
المقصود من المركزية المنطقة الأصلية للقاهرة من بولاق إلى الدراسة، ومن باب الحديد إلى مصر القديمة حتى بدايات القرن العشرين، والتي غلبت عليها تسمية «مصر المحروسة» خلال القرن 19، وهي ما يمكن أن نعبر عنه أيضا بالمنطقة الوسطى أو قلب القاهرة، وفي هذا الجزء من المدينة نجد عمليات التفاعل العديدة عبر القرون من إنشاء لمدن الحكم ونموها وتدهورها والتصاقها باتجاهات نمو مكانية أقدم وأحدث. وباختصار، فإن دينامية القاهرة تظهر في القاهرة المركزية؛ نمو من نواة ثم عدة نوايات ثم نمو مخطط، بينما الامتدادات التالية، وخاصة في القرن العشرين تسير في اتجاه واحد هو النمو المخطط؛ استجابة لمتطلبات الانطلاقة الكبرى في النمو السكاني المصري والقاهري.
القاهرة المركزية: نشأت في صورة عدة مدن الواحدة خارج الأخرى. أول هذه المدن الفسطاط التي سميت بعد ذلك مصر أو مدينة مصر سنة 641م، ثم نشأت العسكر إلى الشمال منها سنة 751م بعد الثورة المصرية ضد الحكم العباسي، وهروبا لقاعدة الحكم من كثافة السكن والسكان داخل الفسطاط. وبعد نحو قرن أنشأ أحمد بن طولون، والي مصر المستقل عن الخلافة العباسية، مدينة جديدة باسم «القطائع» إلى الشمال الشرقي من العسكر عام 868م، بين حافة المقطم عند موقع القلعة الحالية وبين قلعة الكبش. لكن نمو العسكر والقطائع توقف بعد سقوط الدولة الطولونية عام 906م. في الوقت الذي ظلت فيه مدينة مصر تنمو بالتدريج؛ لأنها كانت مركز السكن والتجارة، بينما كانت العسكر والقطائع مدن حكم. وفي سنة 969م دخل جيش الفاطميين مصر بقيادة جوهر الصقلي قادما من تونس بعد عدة محاولات فاطمية سابقة فاشلة للاستيلاء على مصر؛ نتيجة مقاومة كافور الإخشيدي، فلما مات سنة 868 سقطت مصر أمام الفاطميين. أنشئت قاهرة المعز في مكانها الحالي بين الخليج المصري والتلال الشرقية في الدراسة ، وأحيطت جميعها بسور من اللبن وخندق، وظلت عاصمة ملكية لمصر الفاطمية قرابة قرنين من الزمن، وكانت تحتوي على القصور الملكية ومقر الحكم والجامع الأزهر، بالإضافة إلى إقطاع أحياء لسكن أنصار الدولة الفاطمية من قبائل شمال إفريقية. ولا شك أن العمران ظل يزحف مع الضغط السكاني من مدينة مصر تجاه الشمال الشرقي؛ أي تجاه القاهرة الفاطمية منحصرا بين الخليج المصري من الغرب ومقدمات حافة المقطم من الشرق. وعلى هذا ظهرت ضواح جديدة لمدينة مصر منها الحمراء الدنيا والوسطى والقصوى، التي كانت في المنطقة الممتدة حاليا بين دير النحاس والسيدة زينب. وفي الوقت ذاته لم تمتد مدينة مصر شمال أو غرب مسار الخليج المصري؛ لكثرة المستنقعات، وطغيان مياه الفيضان عليها بين حين وآخر.
وقد أخذت أحوال مدينة مصر تسوء بعد الفتن والحروب الداخلية والمجاعة أثناء خلافة المستنصر من عام 1040 إلى 1074م، ثم حدوث النزاع بين الوزيرين شاور وضرغام، وتدخل الصليبيين وجيوش سلطنة ابن زنكي بقيادة شيركوه وصلاح الدين في مصر بدعوة من الخليفة الفاطمي، ثم إحراقها بأمر الوزير شاور عام 1169م، وقد عاد السكان إلى مدينة مصر بعد استقرار الأمور في بداية العهد الأيوبي، لكن السكن اقتصر على المنطقة الغربية، وخاصة بعد أن شيد الملك الصالح الأيوبي (1240م) قلعته في جزيرة الروضة، وهجر الجانب الشرقي من الفسطاط بعد الحريق تماما.
والحقيقة أن مدينة مصر كان قد أفل نجمها بعد الحريق؛ فبعد سقوط الدولة الفاطمية ونزوح الناس إلى القاهرة الفاطمية التي لم تعد عاصمة ملكية، اقتصر العمران في مدينة مصر على عدة شرائح عمرانية طولية في منطقة دير النحاس وجامع عمرو، ومنطقة مرتفع أبو السعود الجارحي، وحول الأديرة الموجودة في مصر القديمة، وظلت كذلك شرائح مبعثرة حتى الثلاثينيات من هذا القرن حينما نمت القاهرة، واتصلت عمائرها بمصر العتيقة أو بقايا مدينة مصر الفسطاط.
أما القاهرة الفاطمية: فقد نما عمرانها للدرجة التي أزيل معها أسوارها الشمالية والجنوبية لتبنى من جديد على مبعدة من المكان الأصلي «بدر الجمالي في أواخر العصر الفاطمي»، وأدار صلاح الدين الأيوبي سورا حول القاهرة إلى الفسطاط والقلعة والنيل، وهو بذلك أول من وحد نوايات القاهرة في نواة واحدة، وكان ذلك فكر عسكري لحماية المدينة، واستجابة لنمو العمران الذي كان قد تعدى الأسوار في منطقة باب الشعرية الحالية متجها إلى الالتحام بعمران ميناء المقس (أو المكس أو المقسي) وموقعها الآن منطقة باب البحر وباب الحديد وأولاد عنان، وكانت المقس هذه ميناء القاهرة الفاطمية والأيوبية، وتاريخها يرجع إلى ما قبل دخول عمرو بن العاص مصر - إذ الأغلب أن المقس كانت هي قرية أو مدينة «أم دينين» كما عرفها المؤرخون الأوائل مسرحا لمعركة بين الجيش العربي والرومان قبل معركة بابليون.
10
Unknown page