قومهم عليهم مساجد، وصوروا صور أولئك فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم. فلما طال الزمان جعلوا أجسادًا على تلك الصور، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسمّوها بأسماء أولئك الصالحين: ودًّا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا، فلما تفاقم الأمر بانتشار الشرك وعبادة الأوثان بعث الله ﷾ -وله الحمد والمِنّة- رسوله نوحًا ﵇ فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له) (١).
فجاء نوح ﵇ يدعوهم إلى التوحيد، توحيد الله ﷿ وإفراده بالعبادة وترك ما كان يعبد آباؤهم من الأوثان والأصنام.
قال تعالى في شأن سيدنا نوح ﵇ ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ٥٩].
وبعد أن دعى نوح ﵇ قومه إلى التوحيد وترك ما يعبدون من الأصنام، واجه ردًّا قاسيًا وعنيفًا من قومه ووصفوه بالضلال المبين. قال تعالى حكاية عن قومه: ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأعراف: ٦٠].
فردّ نوح ﵇ مقالتهم تلك، وأعلمهم بأن ما وصفتموني به من الضلال ليس بصحيح، وإنما أنا مبلِّغ ومرسَل إليكم مِن الله ﷿ أبلِّغكم ما أمرني الله به، وأنصح لكم وأبيِّن لكم أن الذي أنتم عليه سبب في سخط الله عليكم وعقابه. وسوف يعاجلكم بالعقوبة.
قال تعالى حكاية عن نوح: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي
= الله ﷺ وعمره آنذاك ثلاث عشرة سنة، كان يسمى بالحبر والبحر ربانيّ هذه الأمة. ودعى له النبي ﷺ حيث قال: "اللهم علَّمه التأويل". مات ﵁ سنة ٦٨ هـ أيام ابن الزبير. انظر: (الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣/ ٩٣٣).
(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٢٣.