Nur Waqqad
النور الوقاد على علم الرشاد لمحمد الرقيشي
Genres
المسألة الأولى : في الإمامة وذكر معانيها أعلم أن الإمامة فرض من فروض الله التي أوجبها على عباده وهي من فروض الكفاية التي أن قام بها البعض سقطت عن الباقين ولها شرط لا تتم إلا بها والدليل على وجوب فرضيتها مأخوذ من الكتاب والسنة والإجماع أما من الكتاب فقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم ) يعني المؤمنين وهم أئمة العدل وقوله تعالى : ( ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله ) يعني يدرأ الإمام عن الزوجة المرماة بالزنا عذاب الحد أن تشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين فدخل في معنى الآية أنه لا يجوز تعطيل الحدود والأحكام ولا يقيم الحدود إلا أئمة العدل فثبت بهذا فرض الإمامة من كتاب الله لأن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب وكثير من آيات القرآن دالة على ذلك وأما من السنة والأحاديث الواردة في طاعة أولي الأمر منها قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : لو ولي عليكم عبد حبشي مجدع الأنف فاسمعوا له وأطيعوا ومنها قوله وأطيعوا ولاة أموركم وفي هذا المعنى من السنة القولية كثير وأما السنة الفعلية فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أجهز حبشيا أمر عليه أميرا وأمر أصحابه بالسمع والطاعة وكان إذا افتتح بلدا أمر عليها أميرا وكان إذا خرج من المدينة لغزو أو حج أمر عليها أميرا وأمر الناس بطاعته أمرائه ونهاهم عن معصيتهم فإذا كان هذا واجب في زمان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فبعد موته أوجب وقد أجمعت الأئمة على أن ليس بد من قائم تجري عليها أحكامهم وتنتهي إليه آرائهم ويقيم كعبهم ويجمع شعبهم ويفزعون إليه عند النوازل ويدفعون به كل باطل فأئمة العدل هم أمناء الله على بلاده والخلائف على عباده وشهدوا عليهم إلى يوم القيامة والدليل من الإجماع على فرض الإمامة هو اجتماع المهاجرين والأنصار على أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومن بعده على الخليفة عمر بن الخطاب فأنهم أجمعوا على وجوبها وأن اختلفوا فيمن هو أولى بها والله أعلم وقد عظم الله شأن الإمامة بقوله لإبراهيم عليه السلام أني جاعلك للناس إماما فقال إبراهيم ومن ذريتي فقال له الله لا ينال عهدي الظالمين فيثبت من هذه الآية أن الإمام العدل هو الإمام وإن الظالم لا يكون إماما ولا تجب طاعته وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الإمام العادل في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله .
المسألة الثانية : في أول شروط الإمامة هو اجتماع ذوي الرأي والعلم والفضل من المسلمين ويجتهدون في النصيحة لله تعالى وفي دينه ولعباده ولبلاده فإذا اجتمعوا وتمت هذه الصفات فيهم اختاروا رجلا منهم طاعة لله تعالى لا لطاعتهم ولا يريدون أن يملكوه على الناس ويعلموا ما شاءوا ولكن ليملك الأمور بالعدل ويكون أفضلهم في الدين وأقواهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى نكاية العدو والحفظ لأطراف الرعية وأوسطها وخاصتها وعاملتها وعلى الحكم بالعدل ورعا فيدينه بصيرا فيما يأتي وما يتقي عدلا معروفا بالفضل مشاورا لأهل العلم والرأي والعدل ملتمسا عند النازلة من آثار المسلمين عفيفا عن الطمع محتملا للأئمة حليما عن الخصوم مصلحا بين الناس لا تفاضل عنده لرعية إلا بقدر العلم والدين ليس بكذاب ولا مخلف ولا حسود ولا حقود ولا مبذر ولا بخيل وغدار ولا خئون مأمون على ما قلد من أمر الله يستعد في المهلة والمكنة وينتهز الفرصة ويتلطف بالحيلة غير مداهن ولا متضعضع ولا متخشع إلا لله فإذا وجد في المسلمين من هذه صفاته كان هو البغية والمراد ولو كان عبدا حبشيا لأنه روي عن عمر بن الخطاب قال الخلافة ما ائتمن عليها والملك ما أخذ بالسيف وأن لم يوجد من هذه صفاته وخاف المسلمون على الدولة أن تذهب وعلى البلاد والرعية وأن تعطب وألجأت الحاجة والضرورة إلى غيره قدموا رجلا له قوة وورع ونظر وشروط عليه أن لا يقبض مالا ولا ينفقه ولا يأمر بإنفاقه ولا يخرج جيشا ولا يحكم حكما إلا بمشورة أهل العلم والورع ويجمع منهم الحاضر ويكتب للغائب .
Page 133