وقال: بعث الله نبيه ﷺ بأربعة أسياف، لكل سيفٍ منها حكم، فسيف في العرب، قال الله تعالى: (أُقْتُلُوهمْ حَيْثُ وَجَدتُّموهمْ)؛ وسيف في أهل الكتاب، قال الله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمِنُونَ باللهِ ولاَ باليَوْمِ الآخرِ)؛ وسيف في أهل الأوثان من غير العرب، قال الله تعالى: (فإذا لقيتُمُ الَّينَ كَفَروا فضربَ الرِقابِ حَتَّى إذا أثخنتمُوُهمْ فَشُدوا الَوثاقَ)؛ وسيف في أهل القبلة، قال الله تعالى: (وإن طائِفَتانِ مِنَ الُمؤمِنين اقْتَتَلوا فأصْلِحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تَبغي حَتَّى تَفيءَ إلى أمرِ اللهِ) . فولي رسول الله ﷺ سيف العرب وخلفه أبو بكر ﵁ فيه في أهل الردة، ثمَّ ولي عمر ﵁ سيف أهل الكتاب وسيف أهل أوثان، وولي عليُّ ﵁ سيف أهل القبلة.
وسئل ابن عائشة عن قول عمر: لو أدركت سالمًا مولى أبي حذيفة لوليته. قال: لم يعن أن يوليه الخلافة لأن النبي ﷺ قال: الأئمة من قريش! ولكن أراد الصلاة بالناس في الأيام التي كانت الشورى مكان صهيب لأن صهيبًا كان ألكن، وكان سالم فصيحًا، فصلى بهم صهيب ثلاثة أيام، وهو الذي صلى على عمر بن الخطاب ﵁. وقال الفرزدق " من البسيط ":
صلّى صُهيبُ ثلاثًا ثمَّ أرسلها ... إلى ابن عفان مُلكًا غير مقصور
وأنشد ابن عائشة للزبير بن بكار " من الطويل ":
فلو كان يستغني عن الشكر ماجدٌ ... لعزة قدر أو عُلُوِ مكان
لما أمر الله العباد بشكره ... فقال اشكروني أيها الثقلانِ
قال طاهر بن عليّ بن سليمان بن عليّ لعبيد الله بن عائشة: رأيتُ ابنك على أبواب أصحابنا لايعرفون قدره! - أراد بذلك الغضَّ منه. فقال ابن عائشة: إن عبد الرحمان ابني تأدب وكتب الأخبار وروى الأشعار، فكان فيما روى قولُ ابن عمه عبيد الله بن قيس الرقيات " من الخفيف ":
إنَّ شيبًا من عامر بن لؤيٍ ... وفتوا منهم رقاق النعال
كلما أوجفت إليهم ركابي ... رجعت منهم بأهل ومال
فالتمس ذلك عند أهلك فلم يجده، لأنه عبد الرحمان بن عبيد الله بن محمد بن عائشة.
٤٢ - ومن أخبار عبد الرحمان بن عبيد الله
ابن محمد بن عائشة، كان شاعرًا مجيدًان وكان متصلًا بابن أبي دواد وكان يتسخط عليه ولا يرضى أفعاله، فمن هجائه له " من الكامل ":
أنت أمرؤ غثُ الصنيعة رثها ... لاتحسنُ النعمى إلى أمثالي
فأسلم لغير صنيعة أسديتها ... إلا لنجبر فاقة الأنذالِ
وكتب إليه أبوه يسأله عن حاله مع ابن أبي دواد، فكتب إليه " من الرمل ":
أنا في الخان أؤدي ... كلَّ يومٍ درهمين
نازلٌ فيه على نفسي على سخنةِ عين
٣ف - أراني عن قليلٍ لابسًا خُفَّي حُنينِ ثمّ مات عبد الرحمان سنة سبع ومائتين، فخرج أبوه إلى سرَّ من رأى لأخذ ميراثه، فنزل بقرب دار أبي دواد، فكان الناس يقصدون ابن أبي دواد ويجدون ابن عائشة قريبًا فيدخلون إليه، فكثر امتناعهم بذلك عليه، فقال عبيد الله " من الطويل ":
سأكشفُ من تسليم أهل مودتي ... لهم مكشفًا لايستفيدُ لهم حمدا
يفرق ما بين المحبين أنني ... ممرٌ لإخواني وآتيهم قصدا
وأقام مديدة فلم يرض أيضًا بفعل ابن أبي دواد، فانصرف إلى البصرة.
قال عبد الصمد بن المعذَّل: كنَّا ببغداد في مجلس ابن عائشة، قال: وحضر المجلس صباح بن خاقان ومصعب بن عبد الله الزبيري، فتحدث الشيخ فأحسن، ثمّ أنشد شعرًا فيه لفظةُ يجيزها بعض وبعضٌ لايجيزها، فوثبا عليه يريدان نقصه، فقالا: هذا لحنٌ! فاحتج عليهما الشيخ وأعانه ابنه عبد الرحمان، ثمّ انصرف. فلمَّا صار عبد الرحمان إلى منزله ونحن معه فاح إبطاه، فأنشأ يقول " من الخفيف ":
من يكن إبطهُ كآباطِ ذا الخلق ... فإبطاي في عداد الفقاح
لي إبطان يرميان جلييس ... بشبيه السُلاح وقت السُلاح
وكأني ما بين هذا وهذا ... جالسٌ بين مصعب وصباح
وله في أحمد بن إسرائيل في أيام الواثق وهو يكتب لابن الزيَّات " من المتقارب ":
1 / 76