Niswiyya Wa Falsafat Cilm
النسوية وفلسفة العلم
Genres
لأول مرة في الفكر الغربي في نهايات القرن التاسع عشر، بالتحديد العام 1895م، ليبلور مدا في هذا الاتجاه شهده ذلك القرن، بعبارة أخرى: كان الفكر النسوي في الحضارة الغربية وليد القرن التاسع عشر. (2) هل من جذور؟
لئن كان دأب البحث الفلسفي هو تقصي الأصول والإرهاصات للقضية المطروحة، فإننا نجد الأصول بشكل عام تسير في اتجاه ضد النسوية!
أجل، شهدت مراحل سحيقة من التاريخ الأنثروبولوجي العصر الأمومي، حيث كانت المرأة هي مركز المؤسسة الاجتماعية، وتميزت الحضارة الفرعونية بتوازن معجز بين الذكورة والأنوثة، كانت المرأة في مصر القديمة تشارك في النشاط الاقتصادي والمشاغل العامة، وفي الطقوس والشعائر الدينية، بل وفي الحكم. اقتصرت وراثة العرش في عصر ما قبل الأسرات على فرع الأمهات حتى تم الاعتراف بحق النساء في تولي الحكم؛ مما جعل الملكة «مريت نيت» ابنة الملك وادجي رابع ملوك الأسرة الأولى تعتلي العرش كأول امرأة في التاريخ تتولى الحكم، حكمت مصر عشرين عاما (3250-3230ق.م)، ووصل التوازن بين الذكورة والأنوثة في مصر القديمة إلى المستوى الثيولوجي، فكان عدد الأرباب المعبودة مساويا لعدد الربات المعبودات، احتلت ماعت ربة العدالة المنزلة العليا، فضلا عما تجسده الربة إيزيس من قيم الإخلاص والوفاء ولملمة الأشلاء ومحاربة الشر. وصل هذا التوازن إلى مرتبة الخلق والتكوين
1 ... وبالمثل حملت الطاوية في الصين القديمة توازنا بين اليانج والين اللذين يمثلان الذكورة والأنوثة ...
ولكن إذا كنا نبحث عن أصول النسوية كتيار من تيارات الفكر الغربي، وجدنا ميراث الفلسفة الغربية الطويل البادئ من الإغريق، شأنه شأن سائر مكونات الحضارة الغربية، كالشعر والأساطير والأدب والشرائع القانونية والوعظ والخطاب الديني والتربوي ... إلخ؛ يقر بدونية المرأة، وبهذا الوضع المحدد لها على أنه الوضع الطبيعي. حتى العلم التجريبي ذاته حين اشتد ساعده في الحضارة الغربية إبان العصر الحديث، انضم هو الآخر إلى هذه المسيرة الجائرة ليقر بدونية المرأة، خصوصا عن طريق البيولوجيا وعلم النفس،
2
فضلا عن ظهور ما تكرس خصيصا لهذا الغرض، مثل الكرانيولوجي
craniology ؛ أي علم الجمجمة وقياس أحجامها، الذي ساد في أواسط القرن التاسع عشر، حيث أجريت أبحاث على الذكاء والقدرات الذهنية على أساس أن هذا يرتبط ارتباطا مباشرا بحجم المخ! راحوا يقيسون أحجام الأدمغة أو الجماجم. ولما كانت في المعدل العام أصغر حجما لدى النساء، استنتج علماء الكرانيولوجي أن معدل الذكاء أدنى لدى النساء، وأنهن بالتالي أقل قدرة على النظر المجرد. زاد العلماء على هذا أن المبايض تتيبس بفعل التفكير، والمناشط العقلية عبء ثقيل على أجهزة المرأة العصبية الحساسة تقلل معدل خصوبتها وقدرتها على الإنجاب،
3
وهكذا، بفعل العلم الحديث الذي تصدر المسيرة المعرفية بغير منازع انتقل التسليم الضمني بالحتمية البيولوجية إلى تسليم صريح عصري مؤزر.
Unknown page