لا ريب في أن حضارة مصر كانت من القوة ما تؤثر معه في القبائل الحامية العربية بطريق الصومال والحبشة حيث تبصر آثارها باقية، وقد سارت تلك القبائل إلى الأرض الخصيبة حول منابع النيل تبعا لموجات من الحروب والمجاعات، فنفذت الحضارة بذلك في الزنوج الذين كانوا يجهلونها كما كانوا يجهلون الإنسان الأبيض.
وليس ذلك الشعب الذي اكتشفه أوروبيون في سنة 1860 لأول مرة مدينا بحضارته لتاجرين أو ثلاثة تجار من العرب أتوا من زنجبار قبل ذلك ببضع سنين ليشتروا عبيدا من ملك الزنوج، ولم يكن الأبيض الأول الذي وصل إلى البحيرة الكبرى، فوجد ذلك الشعب، مرسلا أو رائدا، بل جندي زنجباري فار من دائنيه، ويولع الملك الزنجي به لبياض أدمه
6
وجمال شعره وحسن لحيته، وما انفك ذلك الزنجباري يعيش بجانب الملك حتى سنة 1857 بين نسائه الثلاثمائة، ويكشف ذلك المدين، ذلك الجندي، للملايين من سكان أفريقية الوسطى حياة البيض على حين ترى بعض الأدوات والعادات قد انتهت إليهم منذ ألوف السنين من أمدن بلاد البحر المتوسط الذي كانوا يجهلون حتى اسمه، ويتبع بعض شيوخ العرب وتجارهم بطل الحضارة الغريب ذلك.
ولم يكن الملك - مع ذلك - أول من بهت في أوغندة، فقد استحوذ الجزع والوله والضيق معا على الباهيما، الذين أسفر امتزاجهم بالبانتو عن اسودادهم مقدارا فمقدارا، نتيجة لوصول أولئك العرب، ومما ذكره الباهيما موكدين أنهم من عرق أولئك وأن أجدادهم كانوا أشد من حفدتهم بياضا بدرجات وأن شعورهم كانت طويلة، ويخشى الباهيما أن يعني حضور أولئك الغرباء حضور أجدادهم لاغتصاب أرضهم المحبوبة منهم.
ويصل الرواد الأولون - أي الإنكليز - على أثر العرب فيجدون أنفسهم تجاه قوم لم يروا رجلا أبيض قبل عشر سنين، وماذا كانت حال هؤلاء الوحوش؟
وجد الإنكليز هؤلاء القوم يعيشون في أكواخ مستديرة مصنوعة من سوق الكلأ الطويل، أو من ليف شجر الموز المجدول جدلا فنيا، وذات سقوف على شكل القباب أو ذات أطناف
7
ووجدوا رجالا ونساء يلبسون جلودا أو قشرا ويدوسون وقت الصباح طين الجدر حفظا لمساكنهم من المطرة اليومية، ووجدوا في البقاع المستغدرة
8
Unknown page