Nazariyyat Macrifa
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Genres
3
وتتضح قيمة هذا المثل في أنه يؤدي إلى الاعتراف بأن الفارق بين الحالتين: حالة كون الأشياء مجرد أفكار تثار في الذهن، وحالة كونها واقعية بالفعل، ليس فارقا ينعكس على الصورة العملية للعالم وطريقة تصرفنا فيه، وإنما هو فارق في «تفسير» العالم فحسب، ويظل ذلك العالم على ما هو عليه، مهما اختلف التفسير، ويلاحظ أيضا أن من الممكن استخدام هذه الحجة ذاتها بمعنى عكسي، فكما قلنا من قبل: نستطيع أن نفترض عالما آخر فيه أشياء حقيقية فعلية، وعقولا تدرك هذه الأشياء الفعلية من خلال حواسها، وسنجد أن هذه العقول سيتولد لديها نفس الشك المثالي في أن تكون الأشياء المدركة مجرد صور أو أفكار ذهنية، لا تناظر وجودا خارجيا، وعلى أية حال فالفارق بين الحالتين لن يعدو أن يكون فارقا في تفسير العالم، ومن المحال أن يؤدي إلى اختلاف في طريقة التعامل مع الأشياء.
ولو تأملنا قضية باركلي الرئيسية - وأعني بها «وجود الشيء هو كونه مدركا» - لوجدناها مؤدية في نهاية الأمر إلى تأييد الرأي الذي نقول به ها هنا من أن المثالية لغة نتحدث بها عن العالم، وتفسير لا يؤثر في سلوكنا الفعلي إزاء ما فيه من أشياء، فالمقصود من هذه القضية مجرد تعريف لفكرة «وجود الشيء»، وطالما ردد باركلي - وهو يبرر هذه الفكرة - قوله: هل في استطاعتك أن تعرف معنى وجود أي شيء إلا بكونه مدركا؟ لو أتيت بتعريف آخر فسوف أتنازل عن رأيي وأسلم، وعلى أية حال، فمن الواضح أن مناقشة هذا الموضوع هي منذ البداية مناقشة تتعلق بالتفسير وحده: فإثارة حالة إمكان (أو عدم إمكان) وجود الشيء إن كان غير مدرك، هي إثارة لحالة مستحيلة، بل غير عملية على الإطلاق؛ لأن التحقق من وجود الشيء في حالة عدم إدراكه ليس من الأمور التي يمكن تصورها عمليا، ومن هنا كان إثبات هذه القضية أو نفيها لا يؤدي إلى أي تغيير في موقف الإنسان من هذا الشيء الموجود. •••
وفي مستهل الفصل الثاني من الباب الرابع من كتاب هيوم الرئيسي «بحث في الذهن الإنساني»، يذكر هيوم أن هدفه هو البحث في «الأسباب» التي تدفعنا إلى الاعتقاد بوجود الجسم (أو العالم الخارجي)، لا البحث في هذا الاعتقاد ذاته؛ إذ إن من العبث التساؤل عما إذا كان ثمت جسم أم لا.»
4
ويفسر «برايس» معنى هذه العبارة الأخيرة - ولا سيما لفظ «من العبث»
its in Vain - بأنه من المستحيل نفسيا، أو مما ليس له معنى من الوجهة المنطقية
logically nonsensical ،
5
ولكن التفسير المعقول لهذه العبارة في رأينا هو أنه من غير العملي توجيه هذا السؤال؛ لأننا في مواقفنا العملية نعترف حتما بوجود الأشياء، ومما يؤيد هذا التفسير المعنى العملي الواضح الذي تحمله كلمة «من العبث».
Unknown page