فرفض أخذها وأعادها إلي قائلا: يا مولاي، إننا نحن الصعاليك لا قدر لنا عندكم، فهل آخذ مكافأة على ما وهبني إياه الزمان؟! إن قربك وتشريفك منزلي أعظم من الغنى، والله لو راجعتني بها لقتلت نفسي!
5
فأعدت الكيس وانصرفت، ولما وصلت إلى الباب قال لي: يا سيدي، إن هذا المكان أخفى لك من غيره، فابق عندي إلى أن يفرج الله عنك. فقلت له: بشرط أن تصرف مما في الكيس. فتظاهر بالقبول، فأقمت عنده أياما وأنا على تلك الحالة في ألذ عيش، وهو لم يصرف من الكيس شيئا.
فتضايقت من البقاء في بيته وخفت من التثقيل عليه؛ فلبست زي النساء وودعته وخرجت، فلما صرت في الطريق داخلني من الخوف أمر شديد وجئت لأعبر الجسر، فنظرني جندي كان يخدمني، فصاح قائلا: هذا حاجة المأمون. وقبض علي، فدفعته هو وفرسه؛ فوقعا في حفرة.
فتجمع الناس عليه، فأسرعت في المشي حتى قطعت الجسر، فدخلت شارعا فوجدت باب منزل وامرأة واقفة في الدهليز، فقلت لها: يا سيدة النساء، أنقذي حياتي؛ فإني رجل خائف. فقالت: على الرحب والسعة، وأطلعتني إلي غرفة مفروشة وقدمت لي طعاما، وقالت: لا تخف؛ فما علم بك أحد.
فبينما هي كذلك إذا بالباب يطرق طرقا شديدا؛ فخرجت وفتحت الباب، وإذا بالجندي الذي دفعته على الجسر وهو مجروح الرأس، ودمه يسيل على ثيابه، وليس معه فرس. فقالت: يا هذا، ماذا أصابك؟ قال: إني حصلت على الغنى وأفلت مني، وأخبرها بما جرى له، فأخرجت له عصابة عصبت بها رأسه وفرشت له فنام.
6
فطلعت إلي وقالت: أظن أنك أنت صاحب القصة. فقلت لها: نعم. فقالت: لا بأس عليك، فلا تخف. فأقمت عندها ثلاثة أيام، ثم قالت لي: إني أخاف عليك من هذا الرجل، وأشارت إلى زوجها؛ لئلا يراك فيبلغ عنك، فأرى أن تنجو بنفسك. فسألتها المهلة إلى الليل، فقالت: لا بأس بذلك.
فلما جاء الليل لبست زي النساء، وخرجت من عندها، وأتيت إلى بيت جارية لي، فلما رأتني بكت وتوجعت وحمدت الله على سلامتي وخرجت، وهي توهمني أنها ذاهبة إلى السوق للاهتمام بالضيافة، وظننت بها خيرا.
ولم يمض قليل حتى رأيت إبراهيم الموصلي قد أقبل بجنوده، والجارية معه، فأسلمتني إليه، فرأيت الموت عيانا، فحملوني بالزي الذي أنا فيه إلى المأمون، فعقد مجلسا عاما وأدخلني إليه.
Unknown page