لماذا لا تتزوج هذه المرأة أكواب العطور وصناديق القبعات والأحذية؟
لماذا لا تلحق بهؤلاء الذين تجلس إليهم وكلها إصغاء، وعطف، ومحبة؟
ولماذا تحتمل طول حياتها قرب رجل تنفر منه كل حاسة من حواسها، وكل نقطة من دمائها، وكل ذرة من ذراتها؟
لماذا؟
لماذا؟
الغريبان
كانوا يدعونها قبل زواجها «مس دجاك»؛ لأنها ابنة المتمول سليم يعقوب الذي هاجر بزوجه وابنته إلى مدينة مانشستر وتوطن فيها.
كانت مزيجا جميلا من تربية متينة أخذتها عن المحيط السكسوني، وذكاء لبناني حاد تجمع فيها وتراكم ثم ظهر قويا براقا. هكذا تتجمع عوامل الوراثة وتتراكم على توالي الدهور ، ثم يأتي يوم؛ يوم تتكامل الشروط وتتوفر الأسباب فتظهر بارزة، واضحة، صارخة : أنا ماضيكم المندثر، وتاريخكم المدفون في ظلمات العدم.
قلت: إنها جاءت مزيجا جميلا؟ أظن أن كلمة «جميل» لا تكفي لتصوير كائن بشري احتكر لنفسه كل المزايا التي اتفقت البشرية على نعتها «بالمثلى»، فهناك تكوين متناسق لا عيب فيه، بخطوط هي أقرب إلى التماثيل منها إلى الأجسام البشرية، وشباب ندي كأثمار الصباح، وحياة متفجرة نابضة بالحنو والمحبة والانعطاف، ونفس وديعة هي الطفولة طواعية وليانا. •••
ما كانت بالغريبة المطلقة، بل شرقية على الأكثر، كانت تتكلم لغة أجدادها بلهجة جبلية بحتة حتى يخال السامع أنها قادمة حديثا من كسروان، وتحترم عادات بلادها كما نحترم العقيدة التي تعودنا أن نجلها ولو شككنا بأفضليتها.
Unknown page