أيديهم وأوقعهم فيما لا يخلص عنه إلا من كان الموفق الذي يشذ وجوده ويندر كونه فإنه لا يمكنهم أن يتصوروا هذه الأحوال على وجهها إلا بكد. وإنما يمكن القليل منهم أن يتصور حقيقة هذا التوحيد والتنزيه فلا يلبثون أن يكذبوا بمثل هذا الوجود أو يقعوا في الشارع وينصرفوا إلى المباحثات والمقايسات التي تصدهم عن أعمالهم البدنية وربما أوقعتهم في آراء مخالفة لصلاح المدينة ومنافية لواجب الحق فكثرت فيهم الشكوك والشبه وصعب الأمر على اللسان في ضبطهم فما كل بمتيسر له في الحكمة الإلهية ولا يصح بحال أن يظهر أن عنده حقيقة يكتمها عن العامة بل لا يجب أن يرخص في التعريض بشيء من ذلك بل يجب أن يعرفهم جلالة الله تعالى وعظمته برموز وأمثلة من الأشياء التي هي عندهم عظيمة وجليلة ويلقي إليهم منه هذا القدر أعني أنه لا نظير له ولا شبه ولا شريك - وكذلك يجب أن يقرر عندهم أمر المعاد على وجه يتصورون كيفيته وتسكن إليه نفوسهم ويضرب للسعادة والشقاوة أمثالا مما يفهمونه ويتصورونه. وأما الحق في ذلك فلا يلوح لهم منه إلا أمرا مجملا. وهو أن ذلك شيء لا عين رأته ولا إذن سمعته. وإن هناك من اللذة ما هو ملك عظيم ومن الألم ما هو عذاب مقيم. واعلم أن الله تعالى يعلم وجه الخير في هذا فيجب أن يؤخذ معلوم الله سبحانه على وجهه على ما عملت ولا بأس أن يشتمل خطابه على رموز وإشارات ليستدعي المستعدين بالجبلة للنظر إلى البحث الحكمي في العبادات ومنفعتها في الدنيا والآخرة: ثم إن هذا الشخص الذي هو النبي ليس مما يتكرر وجود مثله في كل وقت. فإن المادة التي تقبل كمالا مثله تقع في قليل من الأمزجة فيجب لا محالة أن يكون النبي قد دبر لبقاء ما يسنه ويشرعه في أمور المصالح الإنسانية تدبيرا. ولا شك أن الفائدة من ذلك هو استمرار الناس على معرفتهم بالصانع والمعاد وحسم سبب وقوع النسيان فيه مع انقراض القرن الذي يلي النبي فيجب أن يكون على الناس أفعال وأعمال يسن تكرارها عليهم في مدد متقاربة حتى يكون الذي ميقاته بطل مصاقبا للمقتضى منه فيعود به التذكر من رأس وقبل أن ينفسخ يلحق عاقبه. ويجب أن تكون هذه الأفعال مقرونة بما يذكر الله تعالى والمعاد لا محالة وإلا فلا فائدة فيها والتذكير لا يكون إلا بألفاظ تقال أو نيات تنوى في الخيال. وأن يقال لهم إن هذه الأفعال يتقرب بها إلى الله ويستوجب بها الخير الكريم وأن تكون تلك الأفعال بالحقيقة على هذه الصفة وهذه الأفعال مثل العبادات المفروضة على الناس. وبالجملة يجب أن يكون فيها منبهات. والمنبهات إما حركات وإما إعدام حركات تفضي إلى حركات فأما الحركات فمثل الصلوات -
Page 250