وأما إعدام الحركات فمثل الصوم فإنه وإن كان معنى عدميا فإنه يحرك من الطبيعة تحريكا شديدا ينبه صاحبه على أنه على جملة من الأمر ليست هدرا فيتذكر سبب ما ينويه من ذلك وأنه القربة إلى الله تعالى. ويجب إن أمكن أن يخلط بهذه الأحول مصالح أخرى في تقوية السنة وبسطها والمنافع الدنيوية للناس أيضا أن يفعلوا وذلك مثل الجهاد والحج على أن يعين مواضع من البلاد باتها أصلح المواضع للعبادة وأنها خاصة لله ويعين أفعالا مما لا بد منه بأنها في ذات الله عز وجل. مثل القرابين فإنها مما تعين في هذا الباب معونة شديدة والموضع الذي منفعته في هذا الباب هذه المنفعة إذا كان مأوى الشارع ومسكنه فإنه يذكره أيضا وذكراه في المنفعة المذكورة تالية لذكر الله عز وجل والملائكة والمأوى الواحد ليس يجوز أن يكون نصب عين الأمة كافة فبالحري أن يفرض إليها مهاجرة وسفرا. ويجب أن يكون أشرف هذه العبادات من وجه هو ما يفرض متوليه أنه مخاطب لله عز وجل ومناج إياه وصائر إليه وماثل بين يديه. وهذا هو الصلاة فيجب أن يسن للمصلى من الأحوال التي يستعد بها للصلاة ما جرت به العادة بمؤاخذة الإنسان نفسه عند لقاء الملك الإنساني من الطهارة والتنظيف. وأن يسن في الطهارة والتنظيف سننا بالغة. وأن يسن عليه فيها ما جرت العادة بمؤاخذته نفسه عند لقائه الملك من الخشوع والسكون وغض البصر وقبض الأطراف وترك الالتفات والاضطراب - وكذلك يسن له في كل وقت من أوقات العبادة آدابا ورسوما محمودة. فهذه الأحوال ينتفع بها العامة في رسوخ ذكر الله عز اسمه في أنفسهم. فيدون لهم التشبث بالسنن والشرائع بسبب ذلك وأن لم يكن لهم مثل هذه المذكرات تناسوا جميع ذلك مع انقراض قرن أو قرنين وينفعهم أيضا في المعاد منفعة عظيمة فما ينزه به أنفسهم على ما عرفته - وأما الخاصة فأكثر منفعة هذه الأشياء إياهم في المعاد فقد قررنا حال المعاد الحقيقي وأثبتنا أن السعادة في الآخرة مكتسبة بتنزيه النفس وتنزيه النفس تبعيدها عن الهيئات البدنية المضادة لأسباب السعادة. وهذا التنزيه يحصل بأخلاق وملكات والأخلاق والملكات تكتسب بأفعال من شأنها أن تصرف النفس عن البدن والحس وتديم تذكيرها بالمعدن الذي لها فإذا كانت كثيرة الرجوع إلى ذاتها لم تنفعل من الأحوال البدنية ومما يذكرها ذلك ويعينها عليه أفعال متعبة وخارجة عن عادي الفطن بل الفطن يتولاها مع التكلف فإنها تتعب البدن والقوى الحيوانية وتهدم إرادتها من الاستراحة والكسل ورفض العناء وإخماد الغريزة واجتناب الارتياض إلا في اكتساب أعراض من اللذات البهيمية ويفرض على النفس المحاولة لتلك
Page 251