Al-Maysar fī sharḥ Maṣābīḥ al-Sunna liʾl-Turibishtī
الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي
Editor
د. عبد الحميد هنداوي
Publisher
مكتبة نزار مصطفى الباز
Edition
الثانية
Publication Year
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ هـ
Genres
[٥٩١] ومنه: حديث ابن عباس- ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: (ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ... الحديث).
قلت هذا الحديث من جملة ما انتهى إلى الأمة من كلام النبوة في آخر عهده ﷺ دون اقتراب زمان انقطاع الوحي، رواه النسائي في كتابه عن ابن عباس وفي روايته (كشف النبي ﷺ الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: (أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو يرى له) ثم قال (ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا؟؟؟ الحديث) والذي يلوح لنا من هذا الحديث ويهتدى إليه من علة النهي عن القراءة في حالتي الركوع والسجود- سوى التعبد الذي هو حظ كل مكلف من الشرع- هو أن النبي ﷺ نبأ الأمة عن انقطاع الوحي بوفاته وعزاهم عن مبشرات النبوة ثم نبههم على جلالة قدر ما هو تارك فيهم من الوحي المنزل- وهو الكتاب العزيز الذي لم يؤت نبي مثله- بقرينة مستكنة في صيغة النهي، وذلك أن الركوع والسجود من سمات الخضوع وأمارات التذلل من العباد لجلال وجه الله الكريم فنهى أن يقرأ الكتاب الكريم الذي عظم شأنه وارتفع محله دون هيئة موضوعة للخضوع والتذلل ليتبين لأولي العلم معنى الكتاب العزيز وينكشف لذوي البصائر حقيقة القرآن الكريم، وإنما تأخر النهي إلى آخر عهد الرسالة ليكون مورده على تمام النعمة بمواقع النجوم واستيفاء أنصبة القرب باطلاعه ﷺ على مطالع الوحي ومقاطعه.
وفيه (فقمن) أي خليق جدير، يقال أنت قمن بفتح الميم أن تفعل كذا ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فإن كسرت الميم أو قلت قمين ثنيت وجمعت.
[٥٩٣] ومنه: حديث عبد الله بن أبي أوفى- ﵁ (كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده) معنى قوله: (سمع الله لمن حمده) أي تقبل الله منه حمده وأجابه يقال اسمع دعائي أي أجب، وضع السمع موضع القبول والإجابة للاشتراك الذي بين القول والسمع والغرض من الدعاء هو القبول والإجابة.
وفيه (ملء ما شيءت من شيء بعد) قوله هذا مشير إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود فيه فإنه ﷺ حمده ملئ السموات والأرض [٨٧/أ] وهذه نهاية أقدام السابقين.
1 / 247