كتاب الميسر
في شرح مصابيح السنة
تصنيف
الإمام أبي عبد الله فضل الله بن الصدر الإمام السعيد تاج الملة والدين
الحسن التوربشتي
المتوفى سنة ٦٦١ هـ
تحقيق
دكتور عبد الحميد هنداوي
الناشر
مكتبة نزار مصطفى الباز
1 / 1
مقدمة المصنف
بسم الله الرحمن الرحيم
(اللهم يسر إتمامه بالخير)
الحمد لله الذي شرع لنا الحق وأوضح لنا دليله وشرح لنا [المشتبه] ويسر لنا سبيله، وبعث إلينا عبده ورسوله وصفيه وخليله، فعرفنا [] وحيه وبتنزيله، وبين لنا ما نزل إلينا من الذكر وأوقفنا [فيه] على حد من العلم فألهمنا تأويله.
والحمد لله الذي بعثه إلينا مهيمنا على الكتاب، ومبينا وجوه الخطاب، وموردا للوحي والإلهام، ومصدرا للشرائع والأحكام، ومفصلا للحلال والحرام، [ومدربا لطرق] الرشاد، وحاميا [....] السداد، وماحيا للشرك والإلحاد، فضلا من الله ورحمة على العباد والبلاد.
فالحمد لله الذي أسعدنا بطاعته، وأكرمنا بمتابعته، وأحسن إلينا بالتوفيق لإيثار دينه، واختيار ملته، ومن علينا بالتيسير لاقتفاء هديه وسنته، حمدا كثيرا طيبا مباركا، لا انقطاع لمدده ولا انقضاء لمدته.
ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تأتي على ما قدمنا وما أخرنا، وتتدارك ما أعلنا وما أسررنا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المنوه باسمه في التوراة والإنجيل، المكرم وجهه بمعالم التنزيل، صلى الله عليه مبلغ ما خصه به من المواهب الجزيلة، وزنة ما أعد له من الوسيلة وعلى آله أولى السابقة والفضيلة وبعد:
فقد أشار إلى عصبة من إخواني بشيراز- رعاهم الله وحماها- أن أشرح لهم المشكل من الأحاديث التي اشتمل عليها كتاب المصابيح الذي جمعه الشيخ الإمام محيي السنة أبو محمد الحسن بن مسعود الفراء- ﵀ من كتب الحديث التي هى دواوين الإسلام المنبئة عن السنن والأحكام، الفارقة بين الحلال والحرام، والواردة في فضائل الأعمال، والدالة على نفائس الأحوال، الداعية إلى طريق الخير وسبيل الصواب، الهادية [.....] الأخلاق ومحاسن الآداب.
وهو كتاب مبارك، وفيه علم جم من سنن الرسول ﷺ (...) لصحة القصد فيه رزق حسن القبول، فوجدت الشقة في ذلك شاسعة، والسبيل إلى ما سألوه متوعرة، فتوقفت حينئذ مترددا في الإجابة.
1 / 29
ورأيت الربع على الظلع أحرى، والتأخر عن شأو لم أدركه أحجى بعد أن كنت أرى صغو نفسي إليه، وأحس منها النزوع إلى ذلك نظرا إلى ما يقتضيه خفى الهوى، وحكم الجبلة من حب الثناء، والركون إلى الشهرة.
ولم أزل في نقد من العزيمة، وفسخ من الهمة نظرا إلى سوابقه ولواحقه، وحذرا من توابعه ورواجعه، حتى تفكرت فيما آل إليه أمر هذا الزمان من قبض علم الحديث بقبض حملته وحفاظه، وقلة اهتمام الناس بكشف معاينه وضبط ألفاظه.
ثم إني صادفت همم أهل هذه الديار لا تتعدى في طلب الحديث عن أحاديث هذا الكتاب، ورأيتهم لم يتقنوا حفظها، ولم يحسنوا وعيها، ووجدت فيها ألفاظا كثيرة محرفة عن جهة قصدها، وكان عندي طرف من العلم بها، والمعرفة بوجوهها.
فأبى حق الدين وواجب النصيحة إلا كشفها وبيانها. ثم إني تأملت فيما عدى ذلك من مشكل هذا الكتاب، وامتساس حاجة الراغبين فيه إلى معرفته، وأن مجموع ما أشكل منه- وإن وجد- متفرقا في مسانيد أئمة الحديث وكتب أرباب المعاني، وأصحاب الغريب؛ فإن الخطب في تحصيله ليس بهين عليهم؛ إذ هو مفتقر إلى أسباب كثيرة يقصر عنها مقدرة الأكثرين، فدعتني داعية الثواب، وهيجتني نية الاحتساب إلى شرح هذا الكتاب.
واستخرت الله تعالى لإسعاف ما ندبوني له فشرح لذلك صدري، واطمأن به قلبي.
فناديتهم: إخواني رعاكم الله وحياكم، ورفعكم عن حضيض العادة إلى ذروة العبادة ورقاكم: اعلموا أن علم الحديث تسمو إليه الهمم، ويمتد نحوه الأعناق، ويقف عليه الآمال. به يستكشف مبهمات الكتاب، ويستدرك حسن المآرب، وتناوله على سبيل السبك والإتقان يستدعي علوما جمة منها المطلع عليها، ويفتقر إلى أسباب كثيرة هى المرقاة إلى الوصول إليها.
وكتاب المصابيح لما فيه من أمهات السنن وجوامع الكلم يفتقر في البيان إلى سائر أنواع علم الحديث؛ ثم إنه لا يخلو عن نبذ ما سوى ما أشرنا [..... ولا ير بعضها أئمة الرواة].
ومجمل الكلم عندي (والله أعلم) أنه ألف محذوف الأسانيد فرغب عنه رجال الحديث،
1 / 30
وتناولته ألسنة أناس لم يكن لهم دربة بهذا [العلم] فحرفوا وصحفوا وزادوا ونقصوا، وتخطبوا في أسامي الرواة وغلطوا، وإني إن شرعت في اقتفاء تلك الأبواب، واستفتاحها على منهاج أهل الصنعة: حال بيني وبين ما أحاوله بعض ما أشير إليه من العلوم والأسباب.
وهذا علم قد تغيرت بهجته وتضوحت زهرته، بل حقق اختلاسه، وطوى بساطه، وقد كان معظم غمرته بالعراق وخراسان فلما اكتنفتها الفتن، وتركت سيوف الأعداء أهلها عباديد متفرقين، تلفظهم البلاد، وتتجهمهم الأمصار لم يبق من رجال هذا العلم في تلك الديار ديار، وذهب بذهابهم المسموعات، واضمحلت بخرابها المؤلفات. وحين فقدت الأنصار، وعدمت الأسباب، رأيت أن أقتصر من ذلك على ما لا يسع الطالب جهله، وأن أكتفى من البيان بما يفتح الغلق عن متون الألفاظ ومبانيها، ويستكشف بمقدار الضرورة عن مباحثها ومعانيها، متنكبا عن التعسف في مذاهب الإسهاب، والاشتباط.
وأن لا أتعرض في الأحكام لمجال النزاع ومواضع الاستدلال؛ إلا إذا دعت الحاجة إليه في بيان الحديث ونفي التناقض والإحالة عن كلام الرسول ﷺ؛ لأن أكثر الناس لاحظ لهم فيه؛ مع أنه أمر قد فرغ منه، وباب قد أتى عليه، فإن ظفرت بمعنى على طريق الفهم، ويتعلق به بيان الحديث؛ فسأشير إليه غن شاء الله تعالى.
والمرجو من الله المنان أن يمدني بحسن التوفيق وألا يكلني إلى نفسي فتنزل قدمي، ويخطئ نظري، وأن يجعل ذلك لوجهه الكريم؛ فإن ما أريد به وجهه لا يثمر خزيا، ولا يعقب ندامة، ولا يزداد على ممر الأيام إلا بهجة وطراوة.
ولقد بلغني أن أبا عبد الله بن أنس الأصبحي- رحمة الله عليه- لما صنف كتابه الموسوم بالموطأ سمع به عبد الله بن وهب المصري، فصنف كتابا وسماه بالموطأ فأخبر بذلك مالك، فقال: ما كان لله يبقى، وأشار بذلك [إلى ما أخذه على] نفسه من صدق النية وصحة العزيمة.
ونحن نسأل الله تعالى أن يحول بيننا وبين ما نحاوله أشرا ورياء واتباعا للهوى حتى يخلص فيه النية؛ فإن استمتاع كل أحد بعلمه على مبلغ عمله بالعلم، ومقدار خلوص النية فيه.
أخبرنا الإمام شهاب الملة والدين أبو الفضائل عبد الوهاب بن صالح بن محمد المعزم إمام الجامع العتيق بهمذان أنبأ الحافظ أبو جعفر محمد بن علي الهمذاني، أنبأ أبو الخير محمد بن موسى بن عمران الصفار أنبأ أبو الهيثم محمد بن علي الكشميهني محمد بن يوسف
1 / 31
الفربري أنبأ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري ثنا الحميدي حدثنا سفيان ثنا يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب- ﵁ على المنبر يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
وأسأل الله تعالى أن يهديني وإياكم إلى سواء السبيل، وأن يوفقنا لاتباع سنة نبينا محمد ﷺ فهو الصراط المستقيم.
وأن يجيرنا عن اتباع (الأهواء) واقتفاء البدع [والضلالات]، وأن يستر لنا عيوبنا جليها وخفيها، ويغفر لنا ذنوبنا ظاهرها وباطنها؛ إنه ولي الإجابة.
1 / 32