293

وليس للأنبياء فيما يظهر الحال فيه لأممهم أن يقدموا عليه إلا بعد إذن منه تعالى فلذلك تاب ، لا لنفس المسألة.

فإن قال : فإن كان الأمر كما قلتم فلما ذا عاقبه تعالى؟

قيل له : ليس فى الكلام ما يدل على أن ما فعل به خاصة هو عقوبة ، ويجوز أن يكون امتحانا كالأمراض والأسقام.

فإن قال : فإذا كان إنما سأل عن لسان قومه ، فكيف يكون قوله تعالى : ( لن تراني ) جوابا؟.

قيل له : إذا صح فى السؤال أن يضيفه إلى نفسه ، والمقصد به غيره ، على ما بيناه ، لم يمتنع أن يرد الجواب على الحد الذى وقع السؤال عليه! :

وقد قيل : إنه التمس من الله تعالى أن يعرفه نفسه ضرورة بقوله : ( رب أرني أنظر إليك ) لأن الرؤية قد تنطلق على المعرفة ، فكأنه قال : عرفنى نفسك باضطرار لأكون عن الشبه أبعد ، وإلى السكون والطمأنينة أقرب ، وأراد (1) أن يظهر تعالى من الآيات العظيمة ما عنده تحصل هذه المعرفة ، فذكر (2). نفسه فى قوله : ( أنظر إليك ) وإنما أراد الآيات التى يحدثها ، فقال تعالى : ( لن تراني ) مبينا له أن مع التكليف لا يجوز أن يعرفه باضطرار!

وقوله : ( فلما تجلى ربه للجبل ) يعنى : فلما أظهر لأهل الجبل ما يقتضى المنع مما سأله جعله دكا ، لأنه إنما قبل ذلك بعد الإبانة وإقامة الحجة.

Page 294