288

كما يعاقب على الذنوب فقال : ( أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ) (1) إلى قوله : ( كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ).

والجواب عن ذلك : أنا قد بينا أن الطبع فى اللغة هو الختم والعلامة ، وليس يمنع عن الإيمان ، وبينا أنه تعالى يفعل ذلك بقلوب الكافرين فى الحقيقة ، كما يكتب الإيمان فى قلوب المؤمنين ، وذلك أنا قد بينا أن ذلك إنما يفعله لما فيه من اللطف والمصلحة ، وبينا أنه لو كان منعا لوجب حمله على التشبيه (2)، كما حملنا قوله تعالى : ( صم بكم عمي ) على هذا الوجه ، وفى الآية ما يدل « على هذا ؛ لأنه (3) قال تعالى : ( فهم لا يسمعون ) ولو كان يمنع فى الحقيقة لما منع عن السماع ، وإنما كان يمنع الفهم والتمييز ، فلا يكون لذلك معنى على قولهم (4)، ومتى حمل على التشبيه حسن موقعه ، لأنه كأنه قال : إن من وسم قلبه لا يفلح (5) لسوء اختياره وكفره المتقدم. وهو بمنزلة من لا يسمع الأدلة ولا يفهمها ولا يعرفها.

وقوله : ( ونطبع على قلوبهم ) (6) عقيب قوله : ( أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ) يدل على أنه عقوبة على كفرهم المتقدم ، فلا يجوز أن يكون منعا عن الإيمان ، لأن المنع منه هو نفس الكفر ، ولا يجوز أن يكون الجزاء على الفعل هو نفس الفعل.

وبعد ، فليس فى ظاهر الآية أنه تعالى قد فعل ذلك ، وإنما قال فيمن قدم

( م 19 متشابه القرآن )

Page 289