323

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Editor

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

الْوَاحِدُ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الْبَحْرِ كُلَّهُ، فَأَمَّا إِنْ أَرَادَ بَعْضَهُ ثُمَّ أَطْلَقَ اللَّفْظَ وَلَا يُرِيدُ بِهِ جَمْعَهُ فَلَا مَحَالَةَ فِي جَوَازِهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:
نَزَلُوا بِالْعِزَّةِ يَسِيلُ عَلَيْهِمْ ... مَاءُ الْفُرَاتِ يَجِيءُ فِي أَطْوَادِ
إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَائِهِ مُخْتَلِجًا قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى أَرْضِهِ بِشُرْبٍ أَوْ سَقْيِ زَرْعٍ وَنَحْوِهِ، فَسِيبَوَيْهِ إِنَّمَا وَضَعَ اللَّفْظَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْعُمُومِ، وَاجْتَنَبَ الْمُسْتَعْمَلَ فِيهِ مِنَ الْخُصُوصِ، وَمِثْلُ تَوْكِيدِهِ الْمَجَازَ فِيمَا مَضَى قَوْلُنَا قَامَ زَيْدٌ قِيَامًا وَجَلَسَ جُلُوسًا، فَقَدْ قَدَّمْنَا الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ قَامَ وَقَعَدَ مَجَازٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُؤَكَّدُ بِالْمَصْدَرِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَجَازًا عَلَى مَا مَضَى.
وَمِنَ التَّوْكِيدِ فِي الْمَجَازِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] وَلَمْ تُؤْتَ لِحْيَةَ رَجُلٍ وَلَا ذَكَرَهُ، قَالَ: وَوَجْهُ هَذَا عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا حُذِفَتْ صِفَتُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] تُؤْتَاهُ الْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أُوتِيَتْ لِحْيَةً وَذَكَرًا لَمْ تَكُنِ امْرَأَةً أَصْلًا، وَلَمَا قِيلَ فِيهَا (وَأُوتِيَتْ) وَقِيلَ فِيهَا (وَأُوتِيَ) وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: ١٦] وَهُوَ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ، وَهُوَ مَا يَسْتَثْنِيهِ الْعَقْلُ بِبَدِيهَتِهِ وَلَا يُحْوَجُ إِلَى التَّشَاغُلِ بِاسْتِثْنَائِهِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ كَائِنًا مَا كَانَ لَا يَخْلُقُ نَفْسَهُ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٦] فَحَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ عَالِمًا بِعِلْمٍ، فَهُوَ إِذًا الْعَلِيمُ الَّذِي فَوْقَ ذَوِي الْعُلُومِ أَجْمَعِينَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ وَلَا عَالِمَ فَوْقَهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: لَيْسَ قَوْلُهُ ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣]، ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٦] اللَّفْظُ الْمُعْتَادَ لِلتَّوْكِيدِ قِيلَ: هُوَ إِنْ لَمْ يَأْتِ نَابِعًا عَلَى سِمَةِ التَّوْكِيدِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: عَمَمْتُ بِالضَّرْبِ جَمِيعَ الْقَوْمِ، فَفَائِدَتُهُ فَائِدَةُ قَوْلِكَ ضَرَبْتُ الْقَوْمَ كُلَّهُمْ، فَإِذَا كَانَ الْمَعْنَيَانِ وَاحِدًا كَانَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَغْوًا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ " هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ ".
وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَشَيْخَهُ أَبَا عَلِيٍّ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالِاعْتِزَالِ الْمُنْكِرِينَ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْلِيمِهِ، فَلَا يُكَلِّمُ أَحَدًا الْبَتَّةَ، وَلَا يُحَاسِبُ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِنَفْسِهِ وَكَلَامِهِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ وَالْكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ مَخْلُوقٌ مِنْ

1 / 340