322

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Editor

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى إِلْحَاقِ الْمَجَازِ بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ وَسُلُوكِهِ طَرِيقَتَهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ وَكَّدَتْهُ كَمَا وَكَّدَتِ الْحَقِيقَةَ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
عَشِيَّةَ سَالَ الْمِرْبَدَانِ كِلَاهُمَا ... سَحَابَةَ مَوْتٍ بِالسُّيُوفِ الصَّوَارِمِ
وَإِنَّمَا هُوَ مُرِيدٌ وَاحِدٌ فَثَنَّاهُ مَجَازًا لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ مُجَاوِرِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَ ذَلِكَ وَوَكَّدَهُ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبَيْهِ مِرْبَدًا.
وَقَالَ الْآخَرُ:
إِذَا الْبَيْضَةُ الصَّمَّاءُ عَضَّتْ صَفِيحَةً ... بِحَرْبَاتِهَا صَاحَتْ صِيَاحًا وَصَلَّتِ
فَأَكَّدَ صَاحَتْ وَهُوَ مَجَازٌ بِقَوْلِهِ (صِيَاحًا) وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ ﷿ ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] فَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ، بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: خَلَقَ اللَّهُ كَلَامًا فِي الشَّجَرَةِ فَكَلَّمَ بِهِ مُوسَى، وَإِذَا أَحْدَثَهُ كَانَ مُتَكَلِّمًا بِهِ، وَأَمَّا أَنْ يُحَدِّثَهُ فِي فَمٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ وَاقِعٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مِنَّا إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الصِّفَةَ لِكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا لَا غَيْرُ، لَا لِأَنَّهُ أَحْدَثَهُ مِنْ آلَةِ نُطْقِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ مُتَكَلِّمًا حَتَّى يُحَرِّكَ بِهِ آلَةَ نُطْقِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا عَمِلَ لَهُ مُصَوِّتَةً وَحَرَّكَهَا وَاجْتَزَأَ بِأَصْوَاتِهَا عَنْ أَصْوَاتِ الْحُرُوفِ الْمُتَقَطِّعَةِ الْمَسْمُوعَةِ فِي كَلَامِنَا، أَكُنْتَ تُسَمِّيهِ مُتَكَلِّمًا وَتُسَمِّي تِلْكَ الْأَصْوَاتِ كَلَامًا، وَذَلِكَ الْمُصَوِّتُ بِهِ مُتَكَلِّمًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قُوَّةِ الْبَشَرِ أَنْ يُورِدُوا الْكَلَامَ بِالْآلَاتِ الَّتِي يَصْنَعُوهَا عَلَى سَمْتِ الْحُرُوفِ الْمَنْطُوقِ بِهَا وَصُورَتِهَا لِعَجْزِهِمْ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَأْتُونَ بِأَصْوَاتٍ فِيهَا الشَّبَهُ الْيَسِيرُ مِنْ حُرُوفِهَا، فَلَا يَسْتَحِقُّ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ كَلَامًا، وَلَا يَكُونُ النَّاطِقُ بِهَا مُتَكَلِّمًا، كَمَا أَنَّ الَّذِي يُصَوِّرُ الْحَيَوَانَ تَجْسِيمًا وَتَزْوِيقًا لَا يُقَالُ خَالِقٌ لِلْحَيَوَانِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ مُصَوِّرٌ وَحًا وَمُشَبِّهٌ، وَأَمَّا الْقَدِيمُ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِحْدَاثِ الْكَلَامِ عَلَى صُورَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ وَأَصْوَاتِهِ الْحَيَوَانِيَّةِ فِي الشَّجَرَةِ وَالْهَوَاءِ وَمَا شَاءَ، وَهَذَا فَرْقٌ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ أَحَالَ سِيَبَوَبْهِ قَوْلَنَا اشْرَبْ مَاءَ الْبَحْرِ، وَهَذَا مِنْهُ حَظْرٌ لِلْمَجَازِ الَّذِي أَنْتَ مُدَّعٍ شِيَاعَهُ وَانْتِشَارَهُ.
قِيلَ: إِنَّمَا أَحَالَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُرِيدُ بِهِ الْحَقِيقَةَ، وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ، إِذِ الْإِنْسَانُ

1 / 339