180

Mukhtasar Minhaj Qasidin

مختصر منهاج القاصدين

Publisher

مكتَبَةُ دَارِ البَيَانْ

Publisher Location

دمشق

الأفعال عن الترتيب، واستحالة الخلقة، وتعاطى فعل المجانين، ولو رأى الغضبان صورته في حال غضبه وقبحها لأنف نفسه من تلك الحال، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم. ١ - فصل في بيان الأسباب المهيجة للغضب وذكر علاج الغضب قد عرفت أن علاج كل علة بحسم مادتها وإزالة أسبابها. فمن أسبابه: العجب، والمزاح، والمماراة، والمضادة، والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهذه الأخلاق رديئة مذمومة شرعًا، فينبغي أن يقابل كل واحد من هذه بما يضاده، فيجتهد على حسم مواد الغضب وقطع أسبابه. وأما إذا هاج الغضب فيعالج بأمور: أحدها: أن يتفكر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ، والعفو، والحلم، والاحتمال، كما جاء في البخاري من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، أن رجلًا استأذن على عمر رضى الله عنه، فآذن له، فقال له: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل (١)، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر رضى الله عنه، حتى هم أن يوقع به (٢). فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين إن الله ﷿ قال لنبيه ﵌: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر رضى الله عنه حين تلاها عليه، وكان وقافًا عند كتاب الله ﷿. الثاني: أن يخوف نفسه من عقاب الله تعالى، وهو أن يقول: قدرة الله على أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت فيه غضبى، لم آمن أن يمضى الله ﷿ غضبه على يوم القيامة فأنا أحوج ما أكون إلى العفو. وقد قال الله تعالى في بعض الكتب: يا ابن آدم! اذكرني عند الغضب، أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك فيمن أمحق.

(١) أي: الكثير من العطية، يقال، عطاء جزل وجزيل. (٢) أي ينزل به ما يسؤوه.

1 / 180