ابن نون وأن الياه واليسع قد مشوا على الماء، فما جعل المسيح أولى بما قلتم فيه منهم؟ وإن قلتم: إن المسيح استحق ذلك واستوجبه بأنه رفع إلى السماء فأنتم تقرون بأن الياه قد ارتفع إلى السماء بمشهد من جماعة كثيرة، ويقال لهم: ألستم تقرون أن المسيح قد قتل وصلب (¬1) ، واستخفت به اليهود واستهزأوا به، وهو إنما أظهر العجائب من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص ليعظم ويصدق ويوصف بالصفات التي تصفونه أنتم بها، فلم أمكن نفسه من اليهود؟ يستخفون به ويستهزئون به، ثم قتلوه بزعمكم وصلبوه، فكيف حتى أعقب فعل العجائب العظيمة بالأفاعيل التي تدعو إلى التصغير والاستخفاف به؟ فهذا كله ومثله يدل على فساد قولكم في المسيح _صلى الله عليه وسلم_، ويدل على نبي من أنبياء الله تعالى، ورسوله _صلى الله عليه وسلم_ وعليهم جميعا، لا أكثر من ذلك ولا أقل، تعالى الله عن جميع ما يقول المبطلون علوا كبيرا.
الأصل الرابع من أصول الملحدين وهم المشبهة (¬2)
¬__________
(¬1) قال تعالى: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} (سورة النساء: 157 158).
(¬2) التشبيه: هو الغلو، بل هو أبرز مظاهر الغلو، وهو تشبيه بعض الأئمة والأشخاص بذات الله تعالى، وأما التقصير فهو تشبيه الإله سبحانه بواحد من الخلق.
ولقد نشأ مبدأ التشبيه من مذاهب الحلولية والتناسخية، ومن مذاهب اليهود والنصارى، فقد شبهت (اليهود) الخالق بالخلق، وسرت هذه الشبهات في أذهان الغلاة. وقد اعتمد الغلاة التشبيه لهدم مبدأ الألوهية؛ لأن التشبيه يجعل المشبه والمشبه به على مستوى واحد، وعلى مستويات متقاربة. راجع الغلو والفرق الغالية 136، والملل والنحل 1: 197، والمدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب 1: 66.
Page 111