Muhammad Iqbal
محمد إقبال: سيرته وفلسفته وشعره
Genres
ثم ذهبت أنا والصديق علي أصغر حكمت إلى دار إقبال، التي سكنها آخر عمره ومات فيها، وهي دار صغيرة المبنى كبيرة المعنى، تأخذها العين في نظرة، ويسافر فيها الفكر إلى غير نهاية.
وقابلنا هناك جاويد، وهو ابن الشاعر. ذكره في كثير من شعره، وأعرب عن أمله فيه، ورجائه في مخايله، وسمى باسمه المنظومة الرائعة «جاويد نامه». وجاويد معناه الخالد.
ورأينا حجرة كان الشاعر الخالد يكتب فيها شعره ومقالاته، وفيها فاضت روحه. وهي حجرة يستطيع شاعر بليغ أن يفصلها أبياتا خالدات، وقصائد سائرات.
لبثنا حينا في الدار ذات الذكر والعبر نحدث جاويد. وأهدى إلينا صورة والده. وإنها لذكرى عظيمة: صورة إقبال يهديها ابن إقبال في دار إقبال.
وكان علمي بإقبال يزداد على مر الزمان، فيزداد شغفي به، وإكباري إياه، وإيماني بمذهبه في هذه الحياة. فترجمت من شعره، وهممت بأن أترجم ديوانا من دواوينه، فلم يتسع وقتي، ولا تسنى مطلبي.
ولما بعثت إلى باكستان سفيرا لمصر هاج نفسي القرب، ولقيت بين الحين والحين من يحدث عن إقبال ومن رآه؛ فزحزحت الشواغل عن ساعات من الوقت شغلت فيها بإقبال. فترجمت ديوانين من دواوينه؛ ترجمت «رسالة المشرق» وطبعتها في كراجي حين الذكرى الثالثة عشرة لوفاة الشاعر، ثم ترجمت «ضرب الكليم» ونشرته في القاهرة حين الذكرى الرابعة عشرة. وأترجم اليوم - والله المستعان - ديوانين: «أسرار خودي» و«رموز بي خودي». وقد قاربت الفراغ منهما والحمد لله. وكم شاركت في الاحتفال بإقبال فقلت وسمعت، وكم جالست أحباء إقبال ومنهم من عاشره ووعى عنه عن كثب، وعرف معيشته في داره، ومجالسه بين أصحابه وسماره.
ولا تزال مجالس أصدقاء إقبال تجتمع عندي كل أسبوع مرة أو مرتين، فنقرأ شعره ونروي أخباره، ونستمع إلى حديث العارفين بفلسفته، المتوفرين على استكناه حقائقها واستجلاء أسرارها.
وكثيرا ما سمعت من هؤلاء الأصدقاء الذين سميتهم دراويش إقبال؛ أن هذه المجالس أحب شيء إليهم في هذه الدنيا، وأنها عندي لكذلك.
هذه كلمة أردت أن أعرف بها القراء إقبالا كما عرفته ؛ ليقبلوا على قراءة تاريخه وفلسفته وشعره في الفصول الآتية.
الباب الأول
Unknown page