Muhalhil Sayyid Rabica
المهلهل سيد ربيعة
Genres
فقال الشيخ والحسرة تغلبه: «ماذا بقي لي في الحياة يا أبا مالك حتى أتجمل وأصبر؟ إن هما إلا يومان أقضيهما في البكاء ثم أمضي .»
فقال أبو مالك عاطفا: «لئن بكيت يا أبا همام لقد حق لك البكاء. ولكنا كنا نتأسى بصبرك ونتثبت بثباتك، فلسنا نملك اليوم معك لا الرثاء لأنفسنا لما فقدنا من أسوتك.»
فقال مرة متنهدا: «واحر قلباه! لم يبق لي أحد من ولدي، لم يبق لي إلا هذه الصبية الصغار من أبنائهم، وقد حكم الدهر علي أن أعيش لأراهم حولي أيتاما ضعافا ... واحر قلباه يا همام! واحر قلباه يا جساس!»
ثم أخذ يبكي بكاء مرا، وصمت جليسه ينظر إليه في حزن عميق، وأقبلت عند ذلك امرأة تسير في بطء، تتعثر بأذيال ثوبها الأسود، وتمسح عينيها بطرف خمارها الذي أسدلته على وجهها تخفي تحته عبراتها. فلما صارت إلى جوار الشيخ، وقفت صامتة تنظر إليه لحظة ثم غلبتها العبرة، فجعلت تنشج ووضعت كفيها على عينيها.
فتنبه الشيخ إليها عندما سمع شهقاتها، فنظر إليها بعينيه الكليلتين، وقال بصوت امتزجت فيه بحة البكاء بهزة الإشفاق: جليلة؟
فقالت المرأة من بين شهقاتها: «نعم جليلة يا أبي! جليلة الشقية يا أبي!»
فمد الشيخ إليها يديه المرتعشتين وقال بصوت متهدج: «تعالي يا ابنتي اجلسي إلى جواري، وامزجي دمعك بدمعي؛ فقد أصبحت مثلك لا أستطيع إلا البكاء.» ثم جعل ينشج مثلها نشيجا مرا.
فجلست جليلة إلى جنبه، ووضعت يدها على رأسه وأسندت رأسها باليد الأخرى وأخذت تشاركه في البكاء، فلم يقو أبو مالك على البقاء معهما فقام عنهما، فذهب وهو يرفع يده إلى عينيه ليمسح دمعة مواساة لم يستطع أن يمنعها. ومضت على الوالد وابنته ساعة في البكاء، وكأن الدمع قد أزال عنهما بعض وجومهما وفك من عقدة الحديث بينهما، فالتفت مرة إلى جليلة قائلا: «كفكفي دمعك يا بنيتي!»
فمسحت المرأة بكفها على ظهر أبيها وقالت: «لست أدري يا أبي ماذا أقول لك. لم أجد في نساء العرب من هي أشد مني نحسا، ولا أبلغ مني شقاء، حتى وكأن الزمان لم يجد سواي غرضا!»
فمد الشيخ يده إليها فأخذ يدها ولكنه لم يتكلم.
Unknown page