وكان توم بطبعه رجلا ثابت الجنان غير هياب ولا وجل، وقد شرب خمس قوارير من البنتش الساخن، فلم يلبث بعد الإجفالة العابرة التي أحسها في بداية الأمر أن استشاط غيظا منه بتلك القحة المتناهية، وأخيرا عقد النية على ألا يسكت على هذه الجرأة، فراح يقول بلهجة غضب شديد، حين رأى ذلك الوجه القبيح لا يزال مستمرا في غمزه أكثر من قبل: «قل لي أيها الشيطان اللعين ما الذي يدعوك إلى هذا الغمز لي على هذه الصورة؟»
وأجابه المقعد أو الرجل العجوز، أيا ما تحبون أن تدعوه: «لأنني أحب أن أغمز هكذا يا توم سمارت!» ولكنه كف مع ذلك عن الغمز، حين رأى توم يكلمه، وبدأ يضحك ويبدي نواجذه أشبه بقرد عجوز بلغ أرذل العمر.
وبهت توم حين سمعه يناديه باسمه، وإن تظاهر بأنه لم يرع منه ولم يبال: «كيف تعرف اسمي يا ذا الوجه القبيح الذي يشبه «كسارة» الجوز؟»
وقال السيد العجوز: «لا عليك ياتوم، لا عليك، ليست هذه هي الطريقة التي تخاطب بها مقعدا قديما من خشب المجنة الأسبانية، اللعنة علي، ما كنت مخاطبي بأقل من هذا احتراما لو أني كنت مقعدا مصنوعا من قشرة لا من خشب صلب!»
وبدا الشيخ وهو يقول ذلك موحشا غاضبا، حتى لقد بدأ الخوف يسري في نفس توم من وحشة غضبه، فمضى يقول بلهجة أرق كثيرا من لهجته الأولى: «لم أقصد أن أعاملك يا سيدي بأي استهزاء أو احتقار.»
وقال الشيخ: «ما علينا، قد يكون ذلك، ولكن اسمع يا توم.» - «نعم يا سيدي.» - «إنني أعرف كل شيء عنك يا توم، كل صغيرة وكبيرة، أنت فقير شديد الفقر يا توم.» - «إني في الحق كذلك، ولكن من أين عرفت ذلك عني.»
وأجاب السيد العجوز: «لا تسأل عن ذلك، وأنت شديد الولوع بالبنتش يا توم.»
وكان توم قد هم بأن يزعم أنه لم يذق قطرة منذ عيد ميلاده الأخير، لولا أن التقت عينه بعين الشيخ، وتبين له من نظراته أنه كان يعرف كل شيء، فخجل توم، ولزم الصمت.
وعاد الشيخ يقول: «اسمع يا توم، إن الأرملة امرأة جميلة، جميلة إلى حد بالغ، أليست كذلك يا توم؟» وانثنى العجوز يتخازر بعينيه، ويرفع إحدى ساقيه الواهيتين القصيرتين، ويبدو منعزلا بشكل متناه في القبح، حتى اشمأز توم من هذا التصرف النزق من رجل في مثل سنه.
ومضى العجوز يقول: «إنني ولي أمرها يا توم.»
Unknown page