161

Al-ittijāh al-siyāsī li-Maṣr fī ʿahd Muḥammad ʿAlī: Muʾassis Miṣr al-ḥadītha

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Genres

وعندما خيف في إحدى السنوات أن لا يبلغ فيضان النيل المنسوب المقرر إذ بالدعوات الحارة والصلاة لله لا يقوم بها مشايخ المذاهب الإسلامية وحدهم على ضفتي النيل، بل شاركهم فيها حاخام اليهود والقسس المسيحية،

131

بل إنه سمح للودلف المبشر المسلوب العقل بأن يخطب في الشوارع بلغة غريبة لم يستطع أحد فهمها، ولكنه لما ملأ جدران القاهرة فيما بعد بإعلاناته وملاحظاته بلغة يفهمها الجميع لم يسع الباشا إلا أن يسأله مغادرة القطر خيفة أن يعتدي عليه أحد الناس صدفة، فلا يجد من يقيه شر العدوان.

132

وقد ظل كثيرون من رعايا الإنجليز يقطنون القاهرة والإسكندرية دون أن يصيبهم مكروه في أثناء الحوادث المشهورة التي وقعت في سنتي 1839م و1840م.

وبديهي أن لا تصادف سياسة الباشا هذه قبولا لدى مشايخ الأزهر، وكان أحد خطبائهم وكان اسمه الشيخ إبراهيم أشدهم وطأة في نقد هذه السياسة، وكان مما انتقد عليه هذا الشيخ أن الباشا أعطى لليهود امتياز صناعة القصابين في الإسكندرية، وهكذا عرض للخطر إيمان المؤمنين؛ ذلك لأن اليهود لم يراعوا تلاوة الصيغة المقدسة الإسلامية المألوفة عند القيام بعملية الذبح، كما أنهم لم يحرصوا على توجيه رأس الحيوان المذبوح في اتجاه مكة، ثم إنهم بدلا من أن يقبضوا على المدية بالأصابع الخمسة كانوا يقبضون عليها بثلاثة أصابع،

133

على أن الباشا لم يصبر على لغو هذا الشيخ، بل أبعده إلى تونس.

وهكذا كان الباشا في كافة هذه المسائل وأضرابها؛ مثل: إرغام رعاياه على التسامح الديني، والسهر على ترقية الوسائل الصحية ونشر التعليم والثقافة وإقامة العدل بين الناس، وتنظيم جيشه وإنشاء أسطول قوي، وتحديد الضرائب وتشجيع زراعة الحاصلات الجديدة، ومراقبة سلوك موظفيه عن كثب.

نقول إن الباشا كان يعمل في هذه المسائل كلها ضد إرادة رعاياه كلهم تقريبا؛ ولهذا رأينا المشروعات التي كانت نفسه تطمح إلى تحقيقها يهملها أو يعدل عنها بتاتا. ومن بين هذه المشروعات مشروعات - كإنشاء الأسطول مثلا - كانت محاطة بمصاعب لا يسهل تذليلها، وقد أصيبت معظم مشروعاته بالضعف وتولاها الفشل لا لشيء إلا لعدم ثقته بالمستقبل وشعوره بأن ما يعمل ينبغي أن يعمله شخصيا أو ينجز في حالة حياته المحدودة الأجل؛ ولهذا يمكن الحكم على أعماله بأنها كانت أعمالا قائمة على العجلة ولم تنضج تماما وإما أنها جاءت غير كاملة، ولكن بالرغم من ذلك كله وبالرغم مما حدث من رد الفعل بعد اختفائه من على مسرح سياسة مصر فإن ما يتنافى مع العدالة وواجب الإنصاف أن يقال إن أعمال محمد علي ذهبت أو أنها بمثابة نفخة في رماد؛ فإن ما أوجده من الاندفاع إلى الأمام يضاف إليه ما أحكم من الصلات مع الغرب؛ كل هذا قد استمر بعد انتقاله إلى الدار الأخرى، حتى إن مصر عندما بدأت فيما بعد أن تنفض عنها غبار الكسل، وأن تسير مرة أخرى إلى الأمام وجدت أنها تبدأ من نقطة تتقدم كثيرا عن النقطة التي بدأ بها الباشا العظيم. ويرجع الفضل في ذلك كله وقبل كل شيء إلى آثار الثقافة التي تفتحت في عهده البلاد لها من أقصاها إلى أقصاها.

Unknown page