Al-ittijāh al-siyāsī li-Maṣr fī ʿahd Muḥammad ʿAlī: Muʾassis Miṣr al-ḥadītha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
الفصل الثامن
آثار حكم محمد علي في جزيرة كريت وسوريا
في أثناء الحرب اليونانية وضع جلالة السلطان جزيرتي قبرص وكريت تحت رعاية محمد علي ظنا من جلالته بأن الباشا هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يصد عنهما حملات اليونانيين، وفي سنة 1830م عهد السلطان إلى الباشا بصفة رسمية بأن يباشر الحكم في جزيرة كريت، على أن محمد علي اشترط لقبول هذا العبء أن يسمح له بإبعاد الجنود العثمانيين المقيمين في الجزيرة، وأن يحل محلهم بعض الأورط المصرية.
1
وقد بدأ محمد علي بتنفيذ خطته فولى على الجزيرة قومندانا اسمه عثمان بك كان قد أرسله من قبل لتلقي العلوم في فرنسا وإيطاليا،
2
أما أهالي الجزيرة فكانوا خليطا ويغلب فيهم العنصر اليوناني الذي كان عدده نصف السكان، وقد قدر سافاري عدد سكان الجزيرة قبل ذلك بخمسين سنة بنحو 380 ألفا، ولكن هذا العدد قد نقص بسبب الحروب والطاعون والبؤس المخيم على الجزيرة إلى نحو 100 ألف نسمة، وهو عدد السكان عندما عهد إلى والي مصر بالإشراف على شئون الجزيرة، وكان بديهيا أن ينذر اختلاط الأجناس في الجزيرة ببذر بذور الشرور والمتاعب واستفحال الخلاف، كما أنه لم يكن ينتظر عاقل أن تصير مهمة الحكم سهلة مريحة، وحسبك أن مجموع الإيراد لم يتجاوز الأربعة ملايين قرش صاغ، بينما كانت النفقات تتجاوز إحدى عشر مليونا من القروش، وأغلب الظن أن الباشا لم يقبل الاضطلاع بشئون الجزيرة إلا لأنها تكون له بمثابة محطة بحرية تقع على مسافة بعيدة في شمال الإسكندرية، وقد حذرته الحكومة البريطانية دفعتين بأن أي محاولة لإرهاق السكان المسيحيين واضطهادهم أو استعمال العنف معهم قد يؤدي إلى تدخل الدول العظمى.
3
ونحسب أن مثل هذا التحذير لم يكن هناك ما يقتضي صدوره؛ لأنه إذا كان الوالي المصري قد عهد فيه عن الأقلية المسيحية في مصر؛ فمن باب أولى أنه لن يفكر في اضطهاد الأغلبية المسيحية في جزيرة كريت. وكانت باكورة أعماله بعد صدور الفرمان الشاهاني بتوليته حاكما على الجزيرة أنه أذاع منشورا موجها إلى الشعب الكريدي؛ فقد طمأنهم فيه على أنفسهم وبين لهم أنه ليس ثمة ما يخشونه، وأنه لن يتوانى في القصاص ممن يحاول إرهاقهم، وأنه سينشئ مجلسين أحدهما في «خانية» والآخر في «كنديا»، وأن الأعضاء المسلمين والمسيحيين سيشتركون في أعمال هذين المجلسين اللذين يخول لهما البت في كل الأمور ما عدا ما كان له مساس بالشئون القانونية البحتة كمسألة المواريث، وكان في نيته إدخال عدة إصلاحات إلى الجزيرة كإنشاء رصيف لميناء خانية وتغطية التلال بالغابات ونشر الزراعة وتعميمها،
4
Unknown page