137

Muassis Misr Haditha

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Genres

46

فقد بلغت الإيرادات في تلك السنة 240 ألف كيس، وبلغت المصروفات 190 ألف كيس، وفي سنة 1832م المتداخلة في سنة 1833م زادت الإيرادات قليلا عن 500 ألف كيس، على حين أن المصروفات لم تبلغ 415 ألف كيس، أما في سنة 1846-1847م؛ فقد كانت الإيرادات أكثر من 600 ألف كيس والمصروفات أقل من 460 ألف كيس، وليس من شك في أن الباشا كانت تصادفه سنون تكثر فيها المصروفات، وإذ ذاك يلجأ إلى الرصيد المتراكم فيغترف منه، ولكن كانت الوفورات أكثر غالبا من العجز.

وقد كانت إيرادات الأطيان أو الميري كما يسمونها أهم باب من أبواب الإيراد، ولكنها قلما وصلت إلى 50٪ من مجموع الإيرادات، بينما كانت نفقات الجيش والأسطول هي أكبر باب من أبواب المصروفات؛ فلقد كانت تبلغ نحو 50٪ من مجموع الإيرادات.

وكانت ملكية الأطيان في مصر في بداية القرن التاسع عشر هي نفس الحالة المضطربة التي كانت سائدة في الهند عندما بدأت شركة الهند الشرقية في إدارة أراضيها في الهند؛ فلقد كانت مصر في نظر المذاهب الإسلامية الأربعة بمثابة بلاد فتحت بحد السيف وخاضعة لسلطة الخليفة . وتوكيدا لهذا كان كل إمام مسجد في أي ناحية من نواحي القطر المصري يرتقي المنبر في يوم الجمعة حاملا سيفا خشبيا أو سيفا حقيقيا، وهو بذلك يمثل خليفة المسلمين.

ولكن الحاكم كان يتخلى عن أراضي الحكومة «الجفالك» كما كان يحدث في كافة أنحاء العالم وقتئذ بما يتنازل عنه من الهبات التي يمكن استردادها عند الطلب أو يقال أحيانا إنها غير قابلة للاسترداد، على أن الخلاف لم يكن كثيرا على الشكل ولكن رجال القانون الإسلامي تمسكوا بهذا المبدأ البسيط؛ وهو أن الهبة مهما كانت ملزمة يمكن استردادها متى اقتضت ذلك مصلحة الدولة، وهي مسألة لا يمكن لأحد غير الحاكم أن يبت فيها.

ولقد كان من جراء ما نشأ من تلك الفوضى في خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، أن وجدت طائفة من الملاك وفي طليعتهم زعماء المماليك والمزارعين الذين يؤدون الضرائب، وكانوا وقتئذ يسمونهم الملتزمين، وبديهي أن الحكومة لم تحصل على إيرادات مطلقا عما كان بأيدي الفريق الأول من الأراضي، في حين أن ما كان بأيدي الفريق الثاني اشتمل على مناطق أخذت تزداد اتساعا مع مضي الزمن دون أن تدفع عنها ضرائب، وكانت تسمى أراضي الوسية، وكان من باكورة أعمال الباشا - كما سلفت الإشارة إلى ذلك - أن استولى على أملاك أعيان المماليك، وقام بالتحري عن الشروط التي تمت بها ملكية الأراضي الأخرى. وقد تمكن محمد علي فيما بين سنتي 1804م-1814م من الاستيلاء على كافة الأراضي، وكافأ الملتزمين بمعاشات عوضا عما كان لديهم من الأراضي،

47

ولا يلوح أن الباشا تجاوز في هذه الإجراءات الحدود الاسمية لحقوقه القانونية، ولو أنه لا ينبغي أن يبرح الأذهان «الحقوق القانونية» هنا كانت تعني شيئا آخر عدا ما تعنيه في أوروبا. وليس من شك في أن تصرف محمد علي ذلك كان ينطوي على شيء من الشطط الذي ربما كان في وسعه أن يبرره نظرا لحاجته القصوى وقتئذ إلى المال؛ إذ لا ريب أنه لم يسعه أن يؤسس حكومة ويقيمها على دعائم وطيدة إلا إذا استعاد تلك الأراضي التي تبلغ مساحتها ثلاثة أرباع أراضي القطر، ولم يستول عليها الأفراد إلا بسبب خرق أسلافه وإهمالهم. وبديهي أن الحاجة يمكن أن يلجأ إليها الإنسان لتسويغ كل شيء، على أن تصرفات محمد علي الآنفة الذكر لم تؤثر مطلقا في الفلاحين ولا أحس بضيرها إلا عدد قليل من الملكيين، وقد كان خليقا بمن وجهوا إلى الباشا عبارات النقد من الإنجليز أن يعودوا إلى أنفسهم فيذكروا أن اللورد كوبونواليس لم يكتف بنزع أراضي عدد قليل من الأعيان، بل جاوزهم إلى الكثيرين من فلاحي إقليم البنغال. نعم؛ ليس يمكن الدفاع عن الظالم، ولكن جريمة ظلم الأقلية هي أخف بكثير من ظلم الأكثرية . ذلك الظلم في الحالة الأولى لا يؤدي إلا إلى نوع مخفف من الشقاء يسهل تفاديه. وليس يخامرنا شك في أن لورد كورونواليس والباشا كانا يعتقدان أن سياستهما هي لصالح البلاد عامة.

وتلا استعادة الأراضي مسحها مسحا دقيقا أولاه الباشا عنايته، وتشتمل سجلات المديريات توقيعاته كدليل على اهتمامه بتلك العملية،

48

Unknown page