258

Misr Khadiwi Ismacil

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genres

على تعيين لجنة مؤلفة من قناصلها بمصر وبعض مبعوثين خصوصيين للاجتماع في القاهرة، في شهر أكتوبر سنة 1869، والبحث في مسألة الإصلاحات الواجب إدخالها على النظام القضائي بمصر.

ثانيا:

على تفهيم الباب العالي بأنه ليس في اجتماع تلك اللجنة وبحثها ما يمس، بأي نوع من الأنواع، بحقوق الدولة السيادية، من جهة؛ وأنه ليس ما يخول الباب العالي الحق في مطالبة الدول بأن كل اتفاق يجري بينها وبين تابعاته من الولايات ذات الاستقلال الداخلي، التي تدفع له جزية، يجب أن يسري على جميع الولايات الشاهانية، من جهة أخرى.

فلما تم ذلك، أعلم الخديو مجلس النواب في اجتماعه المنعقد في شهر فبراير سنة 1869 وبشرهم باجتياز حكومته العقبات القائمة في سبيل إرضاء الحكومات الغربية، مبدئيا، بإجراء الإصلاحات القضائية المطلوبة.

وفي 28 أكتوبر من ذات سنة 1869 اجتمعت اللجنة الدولية بمصر في دار نوبار باشا وتحت رياسته، فإذا بها مشكلة من كل من الهرفون شراييز معتمد دولة النمسا والمجر وقنصلها العام بالقطر المصري؛ والهرفون تيريمين معتمد الاتحاد الألماني الشمالي وقنصله العام لدى الحكومة المصرية ومعه الدكتور نيرنز نائب قنصل ذلك الاتحاد بالقاهرة؛ والكرنل ستانتن معتمد بريطانيا العظمى وقنصلها العام في القطر المصري ومعه السير فيليب فرنسيس القاضي بالمجلس الأعلى البريطاني في الأستانة؛ والمسيو دي مرتينو معتمد دولة إيطاليا وقنصلها العام بالقطر المصري ومعه السنيور چياكوني المستشار بمحكمة استئناف بريشيا؛ والمسيو دي لكس قنصل روسيا العام بمصر؛ والمسيو ارتير تريكو قنصل فرنسا بالقاهرة ومعه المسيو پيتري القنصل القاضي ووكيل القنصلية الفرنساوية بالإسكندرية.

فقدم نوبار باشا إليها المسيو پاتر نستروبك، والمسيو كيسل المحاميين، بصفتهما مستشاري الحكومة المصرية في المسائل القانونية؛ واقترح عليها تعيين المسيو مونوري المحامي الفرنساوي، كاتبا لأسرار الجلسات؛ فقبل اقتراحه، واستلم الرجل مهام وظيفته، وفتحت الجلسة في الحال.

فأفصح نوبار عن غرض الاجتماع، وأنه ليس من السياسة على شيء؛ وبين الضرورة الداعية إلى إجراء الإصلاح القضائي المرغوب فيه؛ وسأل. إذا كان لا يحسن، والحالة هذه، إشراك قناصل الدول، التي لا ممثل لها، في المباحثات المزمعة، فاقترح قنصل الإتحاد الألماني الشمالي استدعاء قنصل اليونان العام، على الأقل، بسبب عدد اليونان الكبير، المقيمين بالقطر؛ ولكن المسيو تريكو قال: إن المندوبين غير مختصين باستدعاء أحد، وأن مخاطبة قنصليات تلك الدول، وأخطارها بانعقاد اللجنة، وإلفات نظرها إلى المناقشات الدائرة، لشأن من شئون الحكومة المصرية، فصودق على رأيه، وبوشرت الأعمال.

فقرر المندوبون، أولا، أن الآراء إنما تكون استشارية، لا تقيد دولهم في شيء؛ ثم سلم نوبار باشا كل واحد منهم نسخة من المشروع ليكون قاعدة للمناقشات التالية، فرغب مندوبو بروسيا إليه بأن يعطي كلا من المندوبين نسخة، أيضا، من التقرير الذي ردت به اللجنة الفرنساوية بباريس على اقتراح الحكومة المصرية، فأجاب نوبار بالإيجاب، وتأجلت الجلسة إلى يوم السبت 6 نوفمبر، للمناقشة في صوابية إحلال قضاء واحد مشمول بالضمانات الكافية محل القضاءات السبعة عشر الموجودة في القطر.

وفي جلسة 6 نوفمبر بحثت اللجنة، أولا، فيما إذا كان يحسن أن يقدم بأعمالها تقرير عام، أم يكتفي بتقرير فردي يقدمه كل مندوب عن رأيه إلى دولته، فبعد ما دارت المناقشة في ذلك بين الأعضاء، قرر مندوبو النمسا والمجر وبريطانيا العظمى وإيطاليا والروسيا وجوب وضع تقرير عام يوقعه الجميع، ورأى مندوبا الاتحاد الألماني الشمالي أن لا يكون، هناك، شغل عام، وذهب مندوبا فرنسا إلى أن اللجنة لجنة تحقيق، وأن لا داعي، بالتالي، إلى أخذ الأصوات في هذه المسألة ولا في غيرها.

ثم سأل نوبار باشا الأعضاء عما رآه كل منهم في المشروع الذي أعطيت إليه نسخة منه في الجلسة الماضية، فأجل مندوب النمسا والمجر رده ريثما يصل زميله الهرفسكوه من أوروبا، وقال مندوبا الاتحاد الألماني الشمالي إنه يجب معرفة ما هي الأدواء المشتكى منها في النظام القضائي القنصلي، قبل البحث عن الأدوية التي يجب أن تعالج بها، وانبرى المسيو چياكوني فأوضح أن النظام القضائي القنصلي لا يجوز في شيء على المعاهدات الامتيازية والعادات، ولكنه يوجب عراقيل في سبيل العدالة وانتشار قوى المدنية في القطر المصري، كما أن نظام المحاكم المصرية يوجب مثلها وأكبر شأنا، وأبان، بالتالي، أن الطريقة الوحيدة لإصلاح ذلك هي ما تقترحه الحكومة المصرية من إنشاء محاكم في بلادها على النمط الأوروبي، ومن سن تشريع يتناسب مع التشريع الغربي، ثم تكلم بما يفيد أنه درس المشروع درسا تاما، واقترح تعديلات جمة معقولة عليه - أخذ فيما بعد بمعظمها - وتلا السنيور چياكوني الكرنل ستانتن؛ فقرأ، باسمه واسم زميله، مذكرة ذهبا فيها إلى أن نوبار باشا اختار الطريق القويم لإصلاح الخلل الموجود في القضاء بمصر، سواء أكان قنصليا أم أهليا؛ وأنهما - مع إبدائهما بضع ملحوظات خاصة بكيفية انتخاب القضاة الغربيين في المحاكم الإصلاحية المنوي إنشاؤها، وموضوع الرياسة، وعلنية الدفاع فيها، والمحاماة أمامها - يريان من واجبهما تعضيده في أمر إيجاد الأدوية اللازمة، حالما يتوسع في شرح مشروعه المجمل، ثم قام المندوب الروسي، ومع اعترافه بصوابية إبدال النظام القضائي القنصلي المتعدد بنظام قضائي موحد، قال: إنه يجب، قبل قبول اقتراحات الحكومة المصرية، البحث في مقدار الضمانات التي تقدمها، وصلاحيتها؛ فتقرر مدة معينة تشتغل فيها المحاكم الجديدة، على سبيل التجربة. أما المندوبان الفرنساويان، فأصرا على وجوب بحث ماهية الأدواء، قبل الافتكار بما يكون الدواء.

Unknown page