87

Mirqat Mafatih

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Publisher Location

بيروت - لبنان

وَكَانَ هَذَا التَّعْظِيمُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] (وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ): الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ " نَأْتِيكَ "، أَوْ بَيَانٌ لِوَجْهِ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَأَصْلُ الْحَيِّ مَنْزِلُ الْقَبِيلَةِ، سُمِّيَتْ بِهِ اتِّسَاعًا لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَحْيَا بِبَعْضٍ، أَوْ يُحَمِّسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ): تَبْعِيضِيَّةٌ، أَوْ بَيَانِيَّةٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَمُضَرُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ ابْنُ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، فَهُوَ أَخُو رَبِيعَةَ أَبِي عَبْدِ الْقَيْسِ (فَمُرْنَا بِأَمْرٍ): الْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِمَعْنَى الشَّأْنِ، وَاحِدُ الْأُمُورِ، وَالْبَاءُ صِلَةٌ، وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَعْنَى اللَّفْظِ وَمَوْرِدُهُ، وَقِيلَ: الْأَمْرُ وَاحِدُ الْأَوَامِرِ، أَيِ الْقَوْلُ الطَّالِبُ لِلْفِعْلِ، وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ، وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ مَحْذُوفٌ أَيْ مُرْنَا نَعْمَلْ بِقَوْلِكَ: آمِنُوا، أَوْ قُولُوا آمَنَّا، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الرَّاوِي: أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ اهـ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِمَعْنَى الشَّأْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَقَالَ الرَّاوِي: قَالَ ﵊ لَهُمْ: آمِنُوا، أَوْ قُولُوا: آمَنَّا. (فَصْلٍ): بِمَعْنَى فَاصِلٍ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهُوَ صِفَةٌ لِأَمْرٍ أَيْ أَمْرٌ قَاطِعٌ، أَوْ بِمَعْنَى مُفَصَّلٍ لِتَفْصِيلِهِ ﷺ الْإِيمَانَ بِأَرْكَانِهِ الْخَمْسَةِ، أَوْ مَفْصُولٌ أَيْ مُبِينٌ وَاضِحٌ بِهِ الْمُرَادُ مِنْ غَيْرِهِ، وَحَكَى الْإِضَافَةَ (نُخْبِرُ): بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِأَمْرٍ أَوِ اسْتِئْنَافٍ، وَبِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ (بِهِ): بِسَبَبِهِ كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلتَّعْدِيَةِ (مَنْ وَرَاءَنَا): بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَمْزَةِ، أَيْ مَنْ خَلْفَنَا مَنْ قَوْمِنَا، أَوْ مِنْ بَعْدِنَا مِمَّنْ يُدْرِكُنَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِكَسْرِهَا اهـ. وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ. (وَنَدْخُلُ) عَطْفًا عَلَى نُخْبِرُ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ قَبُولِ أَمْرِكَ وَالْعَمَلِ بِهِ، أَوْ بِالْإِخْبَارِ بِهِ الْمَفْهُومِ مَنْ " نُخْبِرُ " (الْجَنَّةَ) أَيْ مَعَ الْفَائِزِينَ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَعَ النَّاجِينَ اهـ. وَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ لَا تَخْفَى، وَدُخُولُ الْجَنَّةِ إِنَّمَا هُوَ بِفَضْلِ اللَّهِ لَكِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ سَبَبُهُ كَمَا أَنَّ الْأَكْلَ سَبَبُ الشِّبَعِ، وَالْمُشْبِعُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ؛ إِذْ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَوِ الْمُضَافُ مُقَدَّرٌ أَيْ دَرَجَاتُهَا فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ، وَدُخُولُ الْجَنَّةِ بِالْإِفْضَالِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا عَلَى حَدِّ: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: ٧٢] أَيْ بِعَمَلِكُمْ، وَلَا يُنَافِيهِ خَبَرُ: («لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ») ; لِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ كَوْنِ الْعَمَلِ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا فِي الدُّخُولِ، بِدَلِيلِ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: («وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ») . وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْجَوَابِ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي الْآيَةِ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ أُورِثْتُمُوهَا مُلَابَسَةً لِأَعْمَالِكُمْ، أَيْ لِثَوَابِهَا، أَوْ لِلْمُقَابَلَةِ كَـ " بِعْتُهُ بِدِرْهَمٍ "، أَوِ الْمُرَادُ الْجَنَّةُ الْعَالِيَةُ، أَوْ بِأَنَّ دَرَجَاتِهَا بِالْعَمَلِ وَدُخُولَهَا بِالْفَضْلِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الدُّخُولُ بِسَبَبِ الْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ مِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى أَيْ فَلَمْ يَقَعِ الدُّخُولُ إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى خِلَافُ صَرِيحِ الْحَدِيثِ، وَيُدْفَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا تَقَرَّرَ مِنِ انْتِفَاءِ كَوْنِهِ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، إِذِ الْقَصْدُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يَرَى عَمَلَهُ مُتَكَفِّلًا بِدُخُولِهَا مِنْ غَيْرِ مُلَاحِظَةٍ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ. اهـ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ انْتِفَاءُ دُخُولِهَا بِالْعَمَلِ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ، وَإِثْبَاتُهُ عَلَى طَرِيقِ الْفَضْلِ فَمَا بَيْنَهُمَا تَنَافٍ يَقْبَلُ الْفَصْلَ. (وَسَأَلُوهُ) أَيِ الْوَفْدُ (عَنِ الْأَشْرِبَةِ) - جَمْعُ شَرَابٍ، وَهُوَ يَشْرَبُ - أَيْ عَنْ حُكْمِ ظُرُوفِهَا بِحَذْفِ الْمُضَافِ، أَوِ الْأَشْرِبَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْأَوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ، بِحَذْفِ الصِّفَةِ، وَالْمُرَادُ: عَنْ حُكْمِهَا (فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ) أَيْ بِأَرْبَعِ خِصَالٍ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا الْأَهَمُّ بِالسُّؤَالِ، وَالْأَتَمُّ فِي تَحْصِيلِ الْكَمَالِ (وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ) أَيْ أَرْبَعِ خِصَالٍ، وَهِيَ أَنْوَاعُ الشُّرْبِ بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ الظُّرُوفِ الْآتِيَةِ. (أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ): نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْ وَاحِدًا فِي الذَّاتِ مُنْفَرِدًا فِي الصِّفَاتِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْأَفْعَالِ. وَهَذَا الْأَمْرُ تَوْطِئَةٌ، فَإِنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ مِنْ فُرُوعِ التَّكَالِيفِ، وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ شَرْطُ صِحَّتِهَا، وَمَبْدَأُ ثُبُوتِهَا (قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟) ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى تَفْرِيغِ أَذْهَانِهِمْ لِضَبْطِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِمْ فَيَكُونُ أَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ (قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) تَأَدُّبًا وَطَلَبًا لِلسَّمَاعِ مِنْهُ ﷺ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ ابْنِ حَجْرٍ: هُوَ بِمَعْنَى عَالِمٍ عَلَى حَدِّ: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ثُمَّ أَغْرَبَ

1 / 89