276

Mirqāt al-Mafātīḥ sharḥ Mishkāt al-Maṣābīḥ

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Publisher

دار الفكر

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Publisher Location

بيروت - لبنان

نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» " فَاجْتَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْحَدِيثِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُهُ.
١٩٦ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " «إِنَّ أَحَادِيثَنَا يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضًا كَنَسْخِ الْقُرْآنِ» "
ــ
١٩٦ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ أَحَادِيثَنَا) أَيْ: بِشَرْطِ صِحَّتِهَا (يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضًا) أَيْ: بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ (كَنَسْخِ الْقُرْآنِ) أَيْ: كَمَا نَسَخَ بَعْضُ آيَاتِهِ بَعْضًا، وَالتَّشْبِيهُ فِي مُجَرَّدِ النَّسْخِ لَا فِي أَنْوَاعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
١٩٧ - وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» " رَوَى الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ الدَّارَقُطْنِيُّ.
ــ
١٩٧ - (وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ): مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَاسْمُهُ جُرْثُومُ بْنُ نَاشِرٍ (الْخُشَنِيِّ): بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ الْأَوْلَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ، بَطْنٌ مِنْ قُضَاعَةَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ، وَأَرْسَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا، وَنَزَلَ بِالشَّامِ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، وَمَرْوِيَّاتُهُ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ): بِالْهَمْزِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ وَالتَّاءُ لِلنَّقْلِ مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ، وَهِيَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِهِ الثَّوَابُ وَعَلَى تَرْكِهِ الْعِقَابُ مِنَ الْعِبَادَاتِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْفَرْضُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ مَعَالِمَ وَحُدُودًا، وَاصْطِلَاحًا: هُوَ مَا يُمْدَحُ فَاعِلُهُ شَرْعًا وَيُذَمُّ تَارِكُهُ قَصْدًا مُطْلَقًا وَيُرَادِفُهُ الْوَاجِبُ، هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَالْوَاجِبُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ، وَالْوَاجِبُ عِنْدَنَا فَرْضٌ عَمَلِيٌّ أَيْضًا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ الْعِقَابُ، لَكِنْ دُونَ عِقَابِ الْفَرْضِ، وَالْمَقَامُ يُنَاسِبُ الْمَعْنَى الْأَعَمَّ، أَيْ: أَوْجَبَ أَحْكَامَهَا مَقَدَّرَةً مَقْطُوعَةً كَالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَكَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ، سَوَاءٌ يَكُونُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَوِ الْعَيْنِيَّةِ، وَسَوَاءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ (فَلَا تُضَيِّعُوهَا): بِتَرْكِهَا رَأْسًا أَوْ بِتَرْكِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا أَوْ بِالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ أَوْ بِالْعَجَبِ وَالْغُرُورِ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَعِنْدَ الْعَارِفِينَ هِيَ الْمَعْرِفَةُ الْإِلَهِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَقْصُودُ الْخَلْقِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَقُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] أَيْ: لِيَعْرِفُونِ وَلَا تَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ غَالِبًا إِلَّا بِالْمُجَاهَدَةِ وَهِيَ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ عَنْ ظُلْمَةِ أَخْلَاقِهَا وَتَخْلِيَتِهَا عَنْ أَوْصَافِ الرَّذَائِلِ وَتَحْلِيَتِهَا بِأَنْوَارِ الْفَضَائِلِ كَالتَّوْبَةِ وَالتَّقْوَى وَالزُّهْدِ وَالِاسْتِقَامَةِ، وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ، وَالِارْتِقَاءِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَالتَّصَاعُدِ مِنْ مَقَامٍ إِلَى آخَرَ حَتَّى تَنْجَلِيَ شَمْسُ صِفَاتِ الْجَلَالِ، وَتَظْهَرَ طَوَالِعُ أَنْوَارِ الْجَمَالِ، وَيَسْتَوْلِيَ سُلْطَانُ الْحَقِيقَةِ عَلَى مَمَالِكِ الْخَلِيقَةِ، وَيُطْوَى بِأَيْدِي سَطَوَاتِ الْجُودِ سُرَادِقَاتِ الْوُجُودِ فَمَا بَقِيَ الْأَرْضُ وَلَا السَّمَاءُ، وَلَا الظُّلْمَةُ وَلَا الضِّيَاءُ، وَتَلَاشَى الْعَبْدُ فِي كَعْبَةِ الْعِنْدِيَّةِ، وَنُودِيَ بِفَنَاءِ الْفَنَاءِ مِنْ عَالَمِ الْبَقَاءِ، رُفِعَتِ الْقِبْلَةُ وَمَا بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥] وَهَذَا حَالُ السَّلِكِ الْمَجْذُوبِ أَوِ الْمَجْذُوبِ السَّالِكِ، وَمَعْنَى الْجَذْبَةِ أَنَّهُ يُنَاجِي الْمَجْذُوبَ مِنْ أَمْرِ الْمَلَكُوتِ مَا يُدْهِشُ عَقْلَهُ وَيَأْخُذُهُ عَنْ نَفْسِهِ (وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ) أَيْ: مُحَرَّمَاتٍ مِنَ الْمَعَاصِي، وَفِي الْأَرْبَعِينَ لِلنَّوَوِيِّ: وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ، أَيْ: كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ (فَلَا تَنْتَهِكُوهَا) أَيْ: لَا تَقْرَبُوهَا فَضْلًا عَنْ أَنْ تَتَنَاوَلُوهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ [الإسراء: ٣٢] وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: انْتِهَاكُ الْحُرْمَةِ تَنَاوُلُهَا بِمَا لَا يَحِلُّ، وَقِيلَ: الِانْتِهَاكُ خَرْقُ مَحَارِمِ الشَّرْعِ كَذَا ذَكَرَهُ

1 / 278