275

Mirqāt al-Mafātīḥ sharḥ Mishkāt al-Maṣābīḥ

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Publisher

دار الفكر

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Publisher Location

بيروت - لبنان

(لَوْ بَدَا): بِالْأَلِفِ دُونَ الْهَمْزَةِ، أَيْ: ظَهَرَ (لَكُمْ مُوسَى): عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ (فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي): لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الِاتِّبَاعِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ فِي اتِّبَاعٍ يُؤَدِّي إِلَى التَّرْكِ (لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ): فَكَيْفَ مَعَ وُجُودِي وَعَدَمِ ظُهُورِ مُوسَى تَتَّبِعُونَ كِتَابَهُ الْمَنْسُوخَ وَتَتْرُكُونَ الْأَخْذَ مِنِّي (وَلَوْ كَانَ) أَيْ: مُوسَى كَمَا فِي نُسْخَةٍ (حَيًّا) أَيْ: فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ (وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي) أَيْ: زَمَانَهَا (لَاتَّبَعَنِي): لِأَنَّ دِينَهُ صَارَ مَنْسُوخًا فِي زَمَانِي، وَلِأَخْذِ الْمِيثَاقِ مِنْهُ وَمِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] الْآيَةَ. قِيلَ: رَسُولٌ عَامٌّ فَالتَّنْوِينُ لِلتَّنْكِيرِ، وَقِيلَ: خَاصٌّ وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ فَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ نَهْيٌ بَلِيغٌ عَنِ الْعُدُولِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِلَى غَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحُكَمَاءِ وَالْفَلَاسِفَةِ (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) .
١٩٥ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَلَامِي لَا يَنْسَخُ كَلَامَ اللَّهِ، وَكَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ كَلَامِي وَكَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا» "
ــ
١٩٥ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («كَلَامِي لَا يَنْسَخُ كَلَامَ اللَّهِ»): النَّسْخُ لُغَةً التَّبْدِيلُ وَشَرْعًا بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُطْلَقِ، ثُمَّ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَمِنْهُ نَسْخُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِقَوْلِهِ ﵊: " «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» " وَأُجِيبَ: بِأَنَّ النَّاسِخَ إِنَّمَا هُوَ آيَةُ الْمِيرَاثِ وَفِيهِ بَحْثٌ إِذِ الْكَلَامُ فِي الْوَصِيَّةِ لَا فِي مِقْدَارِ الْمُوصَى بِهِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ ﵊: " «نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» " (وَكَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ كَلَامِي): وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْجَوَازِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَمِثَالُهُ نَسْخُ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ ﷺ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ خِلَافٌ لِلْأُصُولِيِّينَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ كُلٍّ بِالْآخَرِ لِاسْتِوَائِهِمَا مِنْ حَيْثُ ظَنِّيَّةِ الدَّلَالَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] وَلَا يَرِدُّ عَلَيْهِمْ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ حُسْنِهِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْسَخُ لَفْظُهُ (وَكَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا): وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَآيَاتِ الْمُسَالَمَةِ بِآيَاتِ الْقِتَالِ، وَالْمَنْسُوخُ أَنْوَاعٌ. مِنْهَا: التِّلَاوَةُ وَالْحُكْمُ مَعًا وَهُوَ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ ﷺ بِالْإِنْسَاءِ، حَتَّى رُوِيَ أَنَّ سُورَةَ الْأَحْزَابِ كَانَتْ تَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَمِنْهَا: الْحُكْمُ دُونَ التِّلَاوَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: ٦] وَمِنْهَا التِّلَاوَةُ دُونَ الْحُكْمِ كَآيَةِ الرَّجْمِ وَهِيَ: " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "، وَبَقِيَ فِي الْحَدِيثِ قِسْمٌ رَابِعٌ وَهُوَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ، وَجَوَازُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِثَالُهُ: " «كُنْتُ

1 / 277