Mirʾāt al-jinān wa-ʿibrat al-yaqẓān fī maʿrifa mā yaʿtabar min ḥawādith al-zamān
مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر¶ من حوادث الزمان
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
ورعًا كثير العلم، وفيها توفي سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري ﵀. وفيها هلك تحت العذاب الشاق خالد بن عبد الله القسري الدمشقي أمير العراق، تولى من قبل هشام بن عبد الملك، وولي قبل ذلك مكة، وكان معدودًا من خطباء العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة، وكان جوادًا كثير العطاء، خل فيه عليه شاعر يوم جلوسه للشعراء، وكان قد أراد مدحه ببيتين، فلما رأى اتساع الشعراء في القول، استصغر قوله فسكت حتى انصرفوا، فقال له خالد: ما حاجتك؟ قال: مدحت الأمير فلما سمعت قول الشعراء احتقرت بيتي، فقال: وما هما؟ فأنشدته:
تبرعت لي بالجود حتى تعيشني ... وأعطيتني حتى حسبتك تلعب
فأنت الندى وابن الندى وأبو الندى ... حليف الندى، ما للندى عنك مذهب
فقال: ما حاجتك؟ فقال علي دين. فأمر بقضائه وأعطاه مثله. وكتب إليه هشام بن عبد الملك: بلغني أن رجلًا قام إليك فقال: ان الله جواد وأنت جواد، وإن الله كريم وأنت كريم، حتى عد عشر خصال، والله لئن لم تخرج من هذا لأستحلن دمك. فكتب إليه خالد: نعم يا أمير المؤمنين، قام إلي فلان فقال: ان الله كريم يحب الكريم فأنا أحبك بحب الله إياك ولكن أشد من هذا مقام ابن سقي البجلي إلى أمير المؤمنين، فقال خليفتك أحب إليك أم رسولك؟ فقال: بل خليفتي. فقال: انت خليفة الله ومحمد رسول الله، والله لقتل رجل من بجيلة أهون على العامة والخاصة من كفر أمير المؤمنين، هكذا ذكره الطبري في تاريخه، ان هشامًا عزل خالدًا عن العراقين وولي يوسف بن عمر الثقفي ابن عمر الحجاج مكانه، وأمر بمحاسبة خالد وعماله، فأخذ خالدًا وعماله وحبسه، وعذبه بأن وضع قدميه بين خشبين وعصرهما حتى انقصفا، ثم إلى وركيه ثم إلى صلبه فلما انقصفت صلبه ومات وهو في ذلك لا يتأوه ولا ينطق، وكان ذلك في الحيرة منزل نعمان بن المنذر أحد ملوك العرب على فرسخ من الكوفة، ولما كان خالد في السجن مدحه أبو الأشعث العبسي بهذه الأبيات:
ألا أن خير الناس حيًا وميتًا ... أسير ثقيف عندهم في السلاسل
لعمري لقد عمرتم السجن خالدًا ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل
لقد كان نهاضًا بكل ملمة ... ومعطي اللها غمرًا كثير النوافل
وقد كان يبني المكرمات لقومه ... ومعطي اللها في كل حق وباطل
يعني باللها العطية. يقال فلان يعطي اللها: اذا كان جوادًا يعطي الشيء الكثير. وكان يوسف قد جعل على خالد في كل يوم حمل مال معلوم أن لم يقم به من يومه
1 / 208