وعندي- والله أعلم- وعلي نحو ما سمعت: أن لهذه الحروف معاني تبدأ بها السور، ويعلم بها: انقضاء ما قبلها، وأن القارئ قد أخذ في قراءة سورة أخري، وهذا معروف في كلام العرب، وأن الرجل منهم ينشد فيقول: بل وبلدة:
يقول:
بل ما ماج أحزانا وشجا ما قد شجي
[فيقول: بل] وقوله: بل- ليس من الشعر، ولكن أراد أن يعلم أنه قد قطع كلامه، وأخذ في غيره، وأنه مبتدع للكلام الذي قد أخذ فيه.
وقال قوم: كانت العرب تعرض عند قراءة رسول الله (صلي الله عليه وسلم) استقلالا له؛ فجعلت هذه الحروف عند أوائل السور، لتكون سببا لاستماعهم لما بعدها؛ ليستغربوها، وتتعلق أنفسهم بها، وإذا كان هذا في اللغة التي خوطب العرب عليها: جاز تأويلها. والله أعلم.
وقال قوم: كانت الحروف المقطعة يجوز أن يكون الله تبارك وتعالي أقسم بها كلها، فاقتصر علي ذكر بعضها عن ذكر جميعها، فقال: ألم، ولم يرد جميع الحروف المقطعة: كما يقول القائل: تعلمت العرب ألف با تا ثا، وهو يريد تعلمت جميع الحروف لا هذه الحروف الأربعة وحدها، ولكنه لما طال أن يذكرها كلها- اجتزأ يذكر بعضها، والله أعلم.
فصل:
فإن قال قائل: ما معني قول الله- " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا". يقول: إنه لم يكن علم قبل ذلك عندما ألزمهم من الفرض الأول؟ قيل له: هو عالم بما كان، وما يكون، ولا يخفي عليه شيء ولكن لما كان المسلمون أقلاء في صدر الإسلام: وكانت نياتهم أقوي- فرض عليهم الفرض الأول بقوة نياتهم، ولما كثر الإسلام، وكان الحرص علي قتال العدو ضعيفا- خفف الله المحنة عليهم، وألزمهم هذا الفرض الثاني والله أعلم.
واحتج قوم بأن الله لا ينقل العباد من تخفيف إلي تثقيل بأمره إياهم بقتال المشركين، بعد أن كانوا بذلك غير متعبدين، فقال: " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما"؛ فقد صاروا بالتخلف عن القتال غير متوعدين، بعد أن كانوا غير مأمورين.
Page 215