319

Minah Makkiyya

Genres

============================================================

وما قلناه أبلغ (البلغاء) جمع بليغ، والفرق بين الفصاحة والبلاغة : أن الأولى : خلوص اللفظ من تنافر الحروف والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي، ويوصف بها الكلام والمتكلم والكلمة، والثانية : مطابقة الكلام لمقتضى الحال، بأن يدل على ما يقتضيه حال المتكلم أو المخاطب أو المحكي من تنكير، أو إطلاق، أو تقديم، أو إضمار، أو إيجاز، أو فصل، وضد كل، ويوصف بها ما عدا الكلمة، وبلاغة المتكلم : ملكة يقتدر بها على إيراد الكلام البليغ غير محتاج إلى تعقب أو استدراك: وأفاد الناظم رحمه الله تعالى بهذا : أن البلغاء فضلأ عن غيرهم، مع أنهم العرب الفصحاء، والخطباء البلغاء، والشعراء الفهماء في قريش وغيرهم، والمتقدمون في اللسن والتبيان ، والرؤساء في قوانين المعاني والبديع والبيان، والفرسان في ميادين الفصاحة والشجعان في مهامه البلاغة. أظهروا عوار عجزهم عن المعارضة(1) وعثار عقلهم عن المناقضة، ومن ثم كان عجزهم عن ذلك أعجب في الاية، وأوضح في الدلالة من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص؛ لأن قوم عيسى لم يكونوا يطمعون في ذلك، ولا يتعاطون علمه، وقريش كان أعلى آربهم ومنتهى طلبهم التفنن في أفننة الفصاحة، والتنزه في رياض البلاغة، والتقدم في أعاجيب الخطابة وأساليب البراعة، فدل عجزهم عنه مع ذلك على أنه إنما هو لكونه من أعلام تبوته وبراهين رسالته، وهنذه حجة قاطعة، ومحجة ساطعة؛ اذ محال آن يلبثوا ثلاثا وعشرين سنة عن السكوت عن معارضة آية منه، المستلزمة لنقض آمره، وتفريق أتباعه، وزوال شوكته، وحيازة مرتبته، مع قدرتهم عليها، وطلبها منهم، وقتل أكابرهم، وسبي ذراريهم، وهو لا يزداد إلا تقريعا لهم بعجزهم، حتى يكشف من نقصهم ما كان مستورا، وقال لهم: إن زعمتم آني افتريته؛ لعلمي بأخبار الأمم..

فأتوا بمفترى مثله، فلم يرم ذلك خطيب، ولا طمع فيه شاعر، ولا تكلفه مضقع(2)، والا.. لظهر ووجد من يستجيده، ويحامي عنه، ويزعم بمجرد الدعوى آته عارضن وناقض، فإذا لم يوجد ذلك مع آن كثيرا منهم هجاه، وعارض شعراء أصحابه، وخطباء آمته.. قطع بعجزهم وتحيرهم وانقطاعهم، ومن ثم قال الخطابي : وقد كان (1) العوار: العيب.

(2) المضقع: البليغ، أو العالي الصوت، أو الذي لا يرتج عليه في كلامه ولا يتتعتع

Page 319