Min Naql Ila Ibdac Nass
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
Genres
8
هل كان السبب في عدم شرح ما بعد الطبيعة ووجود ترجمة لها، وتعليقات وجود أثولوجيا أرسطوطاليس التي أغنت البحث في الإلهيات؟ ومع ذلك، فإن تأليف الفارابي بيان غرض أرسطو في ما بعد الطبيعة وكتاب ابن رشد «تفسير ما بعد الطبيعة» وتلخيصه «تلخيص ما بعد الطبيعة»، يدل على شيوع هذه الترجمة. وقد استطاع الفارابي إعطاء المضمون كما استطاع ابن رشد التمييز بين الإلهيات الأرسطية والإلهيات الأفلوطنية. لقد شرح المنطق عدة مرات فهل شرحت الطبيعيات والإلهيات بنفس القدر، أقل أم أكثر؟ وهل شرحت النفسانيات والأخلاقيات والاجتماعيات؛ أي الفرد والمجتمع، قدر شرح المنطق؟ لماذا لم يشرح الفلاسفة الأخلاق إلى نيقوماخوس أو السياسة أو دستور أثينا؟ لماذا لم يشرحها مسكويه؟ هل انقضت مرحلة الشروح وأمكن احتواء الأخلاق والسياسة مباشرة من النص اليوناني، على عكس المنطق والطبيعيات والإلهيات؟ أم إن الأخلاق والسياسة موضوعات مألوفة في الحضارة الإسلامية من العلوم الفقهية والشرعية، وليست في حاجة إلى تمهيد بشروح الأخلاق والسياسة الوافدة؟ هل فرضت أقسام الحكمة عند الحكماء، المنطقية والطبيعية والإلهية، شرح مثالها عند اليونان؛ وبالتالي خلت من شروح الأخلاق والاجتماع والسياسة، أم إنها ترجمت وضاعت نسخها جميعا؟ وهل ترجمت أساسا سياسة أرسطو ودستور أثينا كما ترجمه المحدثون؟
9
هل كان في الشريعة غنى عن ذلك؟ هل كانت الدولة مستمرة لا تحتاج إلى نظرية سياسية، عكس احتياجها إلى علوم الحكمة، المنطق والطبيعيات؟ وما عن الثورات المستمرة والخروج على الأئمة وقهر المعارضة، والتنظير للاستيلاء على السلطة بالشوكة؟
ويتم النقل الحضاري كلما كان المنقول عقلانيا طبيعيا أو أخلاقيا سياسيا كان نقله من الحضارة القديمة إلى الحضارة الجديدة أسهل وأكثر هدوءا وأقل تأويلا، مثال ذلك ترجمة كتاب «المقولات» لأرسطو؛ إذ يمتاز الكتاب بأنه عقلي بديهي لا يرفضه العقل؛ وبالتالي يتفق مع أساس الحضارة الجديدة. كما يمتاز بأنه بحث في اللغة وتحديد معاني الألفاظ، وهي موضوعات مرتبطة بالحضارة الناشئة عن طريق الوحي باعتبارها كلاما، لفظا ومعنى، وباعتبار حضارة العرب قبل الوحي في الشعر، فالحضارة الناشئة حضارة كلمة وكتاب «المقولات» منطق اللفظ، ومن هنا أتى الاتفاق.
10
وإن البداية بتحليل العبارات والقضايا لهي بداية منطقية لتحليل الكلام، فإذا كان الموضوع هو الكلام، فإن المنطق بالضرورة يكون منطق قضايا. وقسمة المنطق قسمة بديهية، مثل قسمة الشيء إلى ما في الذهن وما في الخارج، وتطابق كثيرا قسمة الوحي
وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون . والتدرج الذهني في المنطق مثل التدرج الذهني في الطبيعة، الأجناس والأنواع والعقول العشرة، محمول المحمول، الأجناس والأنواع. المقولات العشر مثل الجوهر والأعراض، الذات والصفات، الشمس وأشعتها، الجوهر قرصها، والأعراض التسعة خارجة منها، لا فرق إذن بين المنطق والطبيعة من حيث البنية الذهنية، وهي البنية القائمة على قسمة الشيء إلى المركز والمحيط ، والإيجاب والسلب ، والأصل والفرع، والكل ولا شيء، والتي ظهرت في الأشعرية والتصوف.
وتضاف إلى المقولات العشر مقولات أخرى، تعتبر استطرادا لها، مما يشكك في صحة نسبتها إلى مجموعة المقولات. ولما كانت الصحة التاريخية ليست موضوعا عقليا، تظل هذه المقولات موضوعات تعبر عن نفس البنية الذهنية مثل التقابل والتضاد، والتقدم (والتأخر)، والمعية (والتتالي)، والحركة (والسكون).
11
Unknown page