166

Min Caqida Ila Thawra Tawhid

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Genres

أما الحجج العقلية، فمنها حجج جدلية، مثلا: إذا كان الله يجعل الأشياء لنا مرئية، فليس من المعقول ألا يكون هو مرئيا من نفسه أو منا.

116

وتعتمد الحجة على أن الله شرط الرؤية كما يبدو ذلك من بعض الآيات. والحقيقة أن هذه الحجة تخلط بين الذات والموضوع. فالله ذات رائية وليس موضوعا مرئيا، ويتعامل مع ذات رائية، ممكنا إياها من الرؤية، فلا يتحول إلى موضوع لرؤيتها. كما أنها ليست الرؤية الغالبة. فالغالب أنا نرى الأشياء بأنفسنا. والله ليس موضوعا منقسما على نفسه، مرة ذاتا ومرة موضوعا. وقد تصاغ هذه الحجة الأولى بطريقة أخرى فيقال: إذا كان الباري رائيا لذاته وجب أن يراه غيره، وهذا في الحقيقة تصور للقسمة في الله وتحويله إلى ذات وموضوع، والله لا قسمة فيه. كما أن رؤية الذات لذاتها لا تعني بالضرورة رؤية الغير لها. فالإنسان لا يرى ذاته ولا ذات غيره، فالأولى ألا يرى ذات الله. الذات الخالصة لا ترى إلا من خلال الجسم، والله لا جسم له. والله ليس رائيا لذاته؛ لأن ذاك يحتاج إلى أن ينقسم إلى ذات وموضوع كما قال الحكماء: عقل، وعاقل، ومعقول. على أقصى تقدير يمكن رؤية ذات لذات أخرى عن طريق الغوص في شعور الآخر كما هو الحال بين الصديقين أو الحبيبين، أو بين الصوفي والله. ولكن الرؤية في هذه الحالة عن طريق الاتحاد وليس عن طريق المقابلة، كما أنها ليست رؤية بصرية بل اتحاد بالشعور. وقد تصاغ الحجة على نحو ثالث فيقال: إذا كان الله رائيا لغيره، فيجب أن يرى نفسه. والحقيقة أن رؤية الذات للغير لا تعني بالضرورة رؤية الغير للذات. وحتى إذا كان الله رائيا لنفسه، فإنه لا يمكن للغير أن يراه، إذ إن الشعور الجسمي غير قادر على رؤية الشعور الخالص نظرا لاختلاف مستويات الخالص. وهي في النهاية حجة قائمة على التمثيل. وهي مجرد افتراض نظري راجع إلى عمليات الشعور. فتصور الله رائيا للأشياء ولنفسه تشخيص لعمليات التأليه. وإعطاء المؤله القدرة على أن يرينا الأشياء تفخيم وتعظيم. والقياس باطل، «ما دام الله رائيا للأشياء فالأولى أن يكون موضوعا للرؤية»؛ لأن الذات لا تتحول إلى موضوع. وإحالة موضوع الرؤية إلى موضوع القدرة هو إحالة العقل إلى السلطة.

والحجة الثانية أننا ما دمنا نرى الأعراض، فإننا نرى الجواهر بالضرورة.

117

والحقيقة أن هذه الحجة ترى أن صلة العالم بالله صلة الأعراض بالجواهر، في حين أن الله جوهر مفارق على ما يقول الحكماء والأصوليون المتأخرون طبقا لنظرية الوجود.

118

والأقرب أن تكون الصلة هي صلة الدال بالدلالة أو بالآية المدلول حيث يكون التمييز بين المستويين قائما. وطبقا للشاهد لا ترى إلا الأعراض، والجوهر مجرد افتراض يفسر تكثر الأعراض بافتراض وحدة الجوهر. الجسم لا يرى. وما يرى هو الامتداد أو الثقل، وكلاهما عرض. الجسم امتداد وحركة، وهما موضوعان عقليان خالصان كما هو الحال عند الحكماء.

والحجة الثالثة أن كل موجود يرى، وما دام الله موجودا فإنه يرى. والحقيقة أن الوجود ليس هي الواقعة الحسية حتى تكون مرئية، بل قد يكون الموجود هو المعنى أو الماهية أو الشعور الخالص. ولماذا يكون القياس عاما وشاملا؟ وما العلة في التخصيص بالرؤية؟ وقد تأخذ الحجة صورة لاهوتية منطقية لإثبات الرؤية، ولكن العقل الصريح وتحليل عمليات الشعور يكفيان لبيان نشأة المشكلة في الشعور. فالمقدمة الأولى «لا يوجد موجود إلا وجائز أن يرينا الله» غير صحيحة؛ لأن الله لا يرينا ذاته. وهناك كثير من الموجودات لا يرينا الله إياها. كما أن الرؤية في الغالب لا تتم بفعل إلهي، بل بحاسة بشرية أو بحدس إنساني أي بوسائل المعرفة الحسية دون إحالتها إلى القدرة الإلهية. والله موجود، ولا يعني ذلك أنه موضوع للرؤية، فلفظ موجود لفظ اشتباهي يعني الوجود الحسي كما يعني الوجود العقلي. كما أن المقدمة الكبرى تتضمن النتيجة سلفا، وبالتالي فالحجة لا تتجاوز الجدل العقيم.

119

Unknown page