Min Caqida Ila Thawra Cadl
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
وهناك فرق بين الخلق والكسب؛ فالخلق موجود بإيجاد الموجد يلزمه حكم وشرط. الحكم هو ألا يتغير الموجد بالإيجاد فيكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة، والشرط أن يكون عالما به من كل وجه. أما الكسب فهو المقدور بالقدرة الحادثة ويلزمه أيضا حكم وشرط. الحكم أن يتغير المكتسب بالكسب فيكسبه صفة ويكتسب عنه صفة، والشرط أن يكون عالما ببعض وجوه الفعل. ويبدو أن الكسب هو جمع لعدة أفكار دون رباط عقلي أو اتساق. وهي صفة كل الأفكار الوسطية لإرضاء جميع الأطراف. وقد اختلف في تعريفها وفي عرضها. يحاول الكل الاقتراب منها ووصف كيفية الجمع بين هذه الأطراف المتعارضة. يقوم الكسب أحيانا على أمور أربعة: إرادة سابقة، وقدرة، وفعل، ورابطة بينهما. فالكسب هو فعل القدرة الحادثة أو فعل الإرادة الحادثة. وما يهم في هذا التعريف أن يكون الفعل حادثا مخلوقا، أي تابعا لقدرة أو إرادة أخرى. وهذا يعني وقوع المقدور دون انفراد بالقادرية؛ فالكسب لا تأثير فيه لقدرة الإنسان.
98
لذلك ينفي الكسب عن نفسه المشاركة؛ مشاركة الإنسان للمؤله المشخص في أي فعل من الأفعال؛ لأنه لا فعل له، والفعل كله للمؤله المشخص.
99
ونظرا لصعوبة وجود أي أساس عقلي لنظرية وسط تجمع بين الجبر والحرية، رغبة في إثبات الطرفين واقتضاء لكلا المطلبين؛ حرية الإنسان وحق المؤله المشخص، يثبت الكسب ويتوقف عن الحكم فيه لعدم الوقوع في الاضطراب العقلي والخلخلة النظرية. ويجوز التوقف عن الحكم في المسائل الموضوعة وضعا خاطئا حتى لا يدخل العقل في متاهات لأسئلة خاطئة وشباكها. ولكنه في هذه الحالة يكون رفضا للمسألة ذاتها دون إثباتها ورفض الدخول في الأساس العقلي للإثبات. التوقف عن الحكم العلمي هو رفض السؤال والجواب معا لا إثبات الإجابة ورفض البرهنة عليها؛ لأنه يكون قبولا بلا برهان.
100
وأحيانا تتحول عواطف التعظيم إلى النقيض. فإذا كانت الغاية من القول بالكسب إعطاء المؤله المشخص فعله والإنسان حريته، فإنه ينتهي إلى جعل المؤله المشخص كالحاوي أو اللاعب يظهر شيئا ويخفي أشياء، يبيح بسر ويكتم آخر، وبالتالي ينتهي التوسط إلى سر مغلق مستحكم.
101
ونظرا لصعوبة إيجاد حل وسط بين الجبر والحرية عقلا، فإنه يتم التوحيد بينهما بالإيمان. والإيمان ليس برهانا ما لم يكن إيمانا نظريا؛ فالعقل أساس الوحي. واللجوء إلى الإيمان تملق للعوام ومحو للفكر وإثبات للغموض. والعجيب أن يكون هذا موقف بعض حركات الإصلاح! وكيف يحدث إصلاح على أساس الإيمان دون العقل، والتقليد دون الفهم، خاصة لو كان الملجأ في النهاية هو التصوف الذي به يستطيع الإنسان هتك الأسرار ورفع الحجاب! صحيح أن العقل قد تتغلف بديهته، وقد لا يعطي معاني بقدر ما يستخدم الألفاظ. ومع ذلك فالبديهة ممكنة والعبارة الواضحة جائزة. ليس العقل هبة معطاة، بل إمكانية عقل تمارس بالنظر. ويمكن إثبات الحرية للجمهور إثباتا عمليا دون التقيد بالضرورة بالأساس النظري وتحليل الخبرات، حرية الدفاع عن الحق ، وحرية تقرير المصير، وحرية الحصول على الخبز. فهذا يمنع من التقليد لأن التقليد في ذاته محو لحرية الفكر والحركة.
102
Unknown page