Matmah Amal
مطمح الآمال في إيقاظ جهلة العمال من سيرة الضلال
Genres
فثبت بما ذكرناه أنه لا يجوز التضمين إلا لمن ثبت بذمته شيء من مال الله خاص[105أ] مما سبق ذكره أول البحث وعلمه الإمام يقينا، ولا وجود لذلك في هذه الأزمنة، فلا وجه للتضمين أصلا والمقدم عليه مقدم على ما لا يحل، على أنا إذا فرضنا زمانا يسوغ فيه التضمين، أو فر ضنا وجها يسوغ معه العقوبة بالمال، فالأليق اجتنابهما لما فيهما من التهمة، والتشبه بالجبابرة الظلمة، والتنفير عن الأئمة، وسوء القالة، واستنان الجهال بتلك السنة إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة التي لا تخفى، ومعلوم أنه لا مصلحة مع مفسدة راجحة أو مساوية ولعمري أن في تجويز العقوبة بالمال والتوسع في التضمين عند كمال شروطه من المفاسد ما يزيد على ما فيهما من المصالح بأضعاف مضاعفة لو فرضنا جوازهما؛ فأما شرع المكوس والقوانين فبمعزل عن سيرة أهل العدل دع عنك سيرة الأئمة الذين هم أولى بالفضل حتى صارت المكوس الآن من الحبائل التي يتسببون بها إلى انتهاب أموال المسلمين، فإن العمال يبيعون مكس الأسواق بشيء معلوم في الأسبوع من رجل يرى الحجة في استحلال مال المسلم، هو هذا البيع الذي خالفوا فيه صريح كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والإجماع العام والخاص، فيتلقون المسلمين فيأخذون منهم رهونا، فإذا باع ما يطلبون المكس عليه أخذوا منه رسما معروفا يؤول في بعض الأحيان إلى مصادرته، فإذا رأوا بيده شيئا من الأطعمة سلطوا عليه من يكيل ليأخذوا المتبقي بعد الكيل، وهو كثير بعد أن يمر عليه صاحب المكس، فيطلب منه شيئا يسمونه اللفة فيأخذونه منه كرها، وهذه اللفة من بدع عوام العمال، فإذا استوفاها وأخذ بواسطة من يكيل الحب ما بقي منه طلبوا منه الرسم المذكور في المكس، ولا يزالون يعملون الحيل والأسباب لانتهابه حتى يأتون على أكثر ماله وهو يصرخ ويستغيث، فلا يزيدهم ذلك إلا حنقا عليه، فلا يخلص من أيديهم إلا وقد أدى إليهم هذه الرسوم الباطلة والمكوس الجائرة؛ وهذا كله بمرأى ومسمع من العمال غير مبالين بتحريمه ؛ فإذا أنكر[105ب] أولوا العلم أو أرباب الصلاح ذلك عليهم واعتلوا باعتيادهم لهذه المكوسات، وأنها لو كانت داخلة في التحريم لما باعوها بمال معلوم في الأسبوع بما جرت العادة به في أواخر زمن الإمام -عليه السلام- وهذه مفسدة في الدين يجب على أولى العلم التنبيه عليها، وعلى أئمة الحق إزالة مفسدتها، نعم ذكر كثير من العلماء في قول الله تعالى: ?ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا?[الأعراف:86] أنها نزلت في المكاسين والعشارين.
وأخرج البخاري وأبو داود من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لا يدخل الجنة صاحب مكس)).
وأما ما وراء ذلك من أخذ أموال المسلمين بمثل ما سبق للعمال، وما نخفه من هتك الأعراض فهو نوع من أعمال الجبابرة الذين يعذبون عباد الله ويمثلون بهم، ويسفكون دماءهم، ويستأصلون أموالهم من دون حق واضح ولا دليل راجح، فأعاذ الله أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، وعصمهم عن سلوك تلك المسالك، وحماهم وإيانا وسائر المؤمنين عن ورود مشارع تلك المهالك، بمحمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم .
وفيما حققه الفقيه العلامة: محمد بن يحيى بن بهران رحمه الله في هذا البحث كفاية، والاستغناء به عن إيراد غيره كاف في المقصود؛ وكفى زاجرا عن ذلك ما أورده أبو يعلى في مسنده من حديث حذيفة بلفظ: ((يؤتى بالولاة يوم القيامة عادلهم وجائرهم حتى يقفوا على جسر جهنم، فيقول الله تعالى: فيكم طلبتي فلا يبقى جائر في حكمه، مرتش في قضائه، مميل سمعه إلى أحد الخصمين إلا هوى في النار سبعين خريفا، ويؤتى بالرجل الذي ضرب فوق الحد فيقول الله تعال: عبدي لم ضربت فوق ما أمرت به؟
Page 396