1
وطبرية، وصفد.
ففكرة تبادل السكان إذن غريبة لعدم إمكان تصورها بين ألف ومائتين وخمسين يهوديا، مقابل ثلاثمائة وخمسة وعشرين ألف عربي. كما أن أملاك العرب في المنطقة المخصصة لليهود هي جل ثروتهم. واليهود لا يملكون شيئا يذكر في الجبال المخصصة للعرب، فكيف يمكن تنفيذ هذا الاقتراح؟!
وقد عد المستر تشرشل - وزير المستعمرات يومئذ - أن هذا هو تفسير حكومة جلالته لتصريح بلفور الصادر في سنة 1917م.
ثم جاء في التقرير ما يأتي نصه:
وقد عد هذا التفسير للوطن القومي في بعض الأحيان أنه يحول دون إنشاء دولة يهودية، غير أنه وإن كانت عباراته قد وضعت في قالب يرمي إلى تخفيف خصومة العرب للوطن القومي بقدر الاستطاعة، فليس فيه ما يمنع من إنشاء مملكة يهودية في النهاية. وقد قال لنا المستر تشرشل نفسه، عندما أدلى بشهادته أمامنا: إنه لم يكن القصد الحيلولة دون إقامة دولة كهذه. وقد اشتركت الجمعية الصهيونية في هذا الرأي. وصرحت لجنتها التنفيذية بعد درس بيان السياسة أن الجمعية الصهيونية ستسير في أعمالها على أساس السياسة المبسوطة فيه، والسبب الذي حال دون الإشارة إلى الدولة اليهودية في سنة 1922م «أي في بيان المستر تشرشل» هو عين السبب الذي حال دون الإشارة إليها في سنة 1917م «أي في تصريح بلفور» «فقد كان الوطن القومي مجرد تجربة».
الآن قد انفضح الأمر، وفهمنا معنى تصريح بلفور، وما يرمي إليه. ولقد أكد تقرير اللجنة الملكية ما فهمناه بعبارة أخرى قوية صريحة؛ إذ قال: «ويجدر بنا الآن أن نبحث في معنى تصريح بلفور. لقد سمح لنا أن نفحص الأوراق والوثائق المتعلقة بالموضوع. وظهر لنا عبارة «إنشاء وطن قومي في فلسطين» كانت نتيجة توفيق بين رأي بعض الوزراء، الذين كانوا يريدون إنشاء دولة يهودية في النهاية، ورأي البعض الآخر، الذين لم يكونوا يفكرون في ذلك، ومن الواضح على كل حال أنه لم يكن في استطاعة حكومة جلالته أن تتعهد بإنشاء دولة يهودية، بل كل ما كان في وسعها عمله هو أن تتعهد بتسهيل نمو «وطن». أما نمو هذا الوطن نموا كافيا، وتطوره إلى درجة يصبح معها دولة، فذلك أمر يتوقف في الدرجة الأولى على حماسة اليهود وعزيمتهم. وقد قال لنا المستر لويد جورج، الذي كان رئيسا للوزارة، في ذلك الحين، في معرض الشهادة: «لقد كانت الفكرة ألا يعمد في معاهدة الصلح إلى إقامة دولة يهودية فورا، دون الرجوع إلى رغبات أكثرية السكان. وهذا هو التفسير الذي فسر به للتصريح في ذلك الحين، ومن الجهة الأخرى كان في النية أنه متى حان الوقت لمنح فلسطين مؤسسات تمثيلية، ووجد أن اليهود قد اغتنموا الفرصة، التي تتيحها لهم فكرة الوطن القومي، وأصبحوا في غضون ذلك يؤلفون أكثرية السكان. فعندئذ تصبح فلسطين دولة يهودية!»
من هذا وضح الخفاء، وصار معنى إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين هو السعي في جعلها دولة يهودية، لا وطنا روحيا، كما كانوا يقولون. ولهذا كان العرب والمسلمون على حق فيما اعتقدوه من أن مساعدة الهجرة في فلسطين ليست إلا لتمكين اليهود من أن يكتسحوها ويمتلكوا أراضيها، حتى يصبحوا أكثرية فيكونوا الدولة اليهودية. كما أن العرب والمسلمين كانوا على حق فيما اعتقدوه من أن مخالفة ميثاق عصبة الأمم وعدم إعطاء فلسطين حكمها الذاتي إلى الآن إنما كان بقصد الانتظار حتى يتمكن اليهود من نوال الأكثرية في فلسطين.
ولقد أيد تقرير اللجنة الملكية في سنة 1937م هذه الحقيقة؛ فقد جاء فيه ما يأتي:
فرغبة الزعماء العرب الملحة في الحصول على الاستقلال القومي في سنة 1931م هي نفس الرغبة التي كانت تتملكهم سنة 1920م، والسبب الرئيسي في اتخاذهم الموقف العدائي من الوطن القومي في سنة 1931م كان كما في سنة 1921م اعتقادهم بأن هذا الوطن قد سد الطريق دون تحقيق تلك الرغبة. وقد يغيب عن البال أحيانا أن وفدا عربيا يترأسه رئيس اللجنة التنفيذية العربية قدم إلى لندن في مارس سنة 1930م: وهو الشهر الذي نشر فيه تقرير «شو». وإن العرب - حسب الخلاصة الرسمية للمحادثات التي جرت بين أعضاء الوفد ورجال الحكومة - شرحوا قضيتهم في أثناء هذه المحادثات، لا فيما يتعلق بشراء الأراضي والمهاجرة فحسب، ولكن في مسألة الحكم الذاتي أيضا، وإن جواب الحكومة لهم كان يدور حول النقطة الأخيرة، وهذا ما جاء في الخلاصة الرسمية بصدد ذلك:
Unknown page