تعريف القيم، وفحصها، وتبريرها، وترتيبها، ينتمي إلى مجال الفلسفة التي يمكنها بطبيعة الحال أن تفيد هنا من تجربة العلوم الإنسانية، ولكن دون أن تخضع لها. (2)
ينتمي تطبيق هذه القيم إلى أوجه مختلفة للنشاط يجب أن توصف بأنها فنية عملية، وأوضح مظاهرها هو التعليم بكافة صوره، وهذه الأساليب العملية يجب أن تستند إلى العلوم الإنسانية، حتى تؤدي الغرض المقصود منها على الوجه الصحيح. فالتربية الأخلاقية أو العقلية أو الفنية ترتكز على علم النفس، وكذلك على تاريخ العلم، الذي يعرض بالتفصيل في علمي الاجتماع والتاريخ. (3)
دراسة القيم المتفق عليها صراحة أو ضمنا في مجتمع معين وعصر معين، ودراسة تطورها ونتائجها العملية، تنتمي إلى صميم العلوم الإنسانية على نحو ما عرفناها.
وعلى ذلك، فلفظ «علم السياسة» قد يشير إما إلى دراسة دجماطيقية للمدينة المثلى (كما في «جمهورية» أفلاطون أو «العقد الاجتماعي» عند روسو)، وإما إلى مجموع الأساليب العملية للحكم (كالإدارة وتنظيم السلطة والدعاية ... إلخ) وإما إلى دراسة اجتماعية أو تاريخية للنظم السياسية، وبحث نفسي للإنسان من حيث هو مواطن. (9) الأخلاق والعلم
وهكذا يمكننا أن نفهم الجدل الذي ثار حول الأخلاق باعتبارها علما. فهناك علم للأخلاق، وهو ذلك الفرع من علم الاجتماع الذي أصبح يسمى، منذ عهد ليفي بريل، بعلم العادات الاجتماعية.
8
أو علم الاجتماع الأخلاقي
sociologie morale
ذلك هو العلم الذي يبحث في الأفكار الأخلاقية وقواعد السلوك الأخلاقي كما صيغت، صراحة أو ضمنا، في المجتمعات البشرية، منذ أن كان للبشرية وجود. هذه الأفكار والقواعد لم تعدم أن يكون لها تأثيرها في المذاهب الأخلاقية التي وضعها الفلاسفة. صحيح أنها لم تتحكم فيها، ولكن كان لها أثر فيها؛ فمثلا نرى أن تغير صورة الرق ثم تحريمه أخيرا كان، قبل ظهوره في مذاهب الفلاسفة، أفكارا كامنة أو ضمنية، تنطوي عليها العادات الأخلاقية، ويتحكم فيها التقدم التلقائي للأفكار الأخلاقية جزئيا؛ بل لقد خضع لما طرأ على الحياة الاقتصادية والصناعية ذاتها من تغييرات؛ فقد فطن الناس إلى أن الرق عادة اجتماعية مستهجنة عندما حدث تهذيب الأخلاق، وكذلك عندما جعلته الظروف الاقتصادية أقل ضرورة أو أقل نفعا، أي عندما حلت الآلة محل الرقيق مثلا؛ وكذا الأمر في فكرة «القانون الطبيعي» أي فكرة وجود شريعة للعدل تمتد حتى تشمل البشرية بأسرها، وتنظم بطريقة عقلية العلاقات بين الناس أيا كانوا، نقول إن هذه الفكرة كانت إلى حد ما وليدة بعض العوامل التي أثارتها، كالإدارة التشريعية لإمبراطورية كبيرة كالإمبراطورية الرومانية التي ضمت شعوبا عظيمة التباين، لها أفكار ونظم تشريعية مختلفة كل الاختلاف.
وفي الأخلاق جزء آخر يرتبط بصميم العلوم الإنسانية، هو علم النفس الأخلاقي، والتربية الأخلاقية، وهما يصفان الضمير الأخلاقي عندما يصطرع مع مختلف ميول الإنسان، ويرتد إلى الوسائل التي تضمن له الظفر.
Unknown page