وكذلك الحال تماما في المذاهب الميتافيزيقية أو الدينية، فالعقيدة الدينية أو المذهب الميتافيزيقي هو فكرة خاصة عن الله، وعن الأمور الخارقة للطبيعة. هذه الفكرة توضح، على نحو ما، ما يمكننا أن نفعله تجاه هذه الأمور، أعني المسلك الذي ينبغي، أو يمكن، أن يتخذه المرء إزاءها، ولقد قال وليم جيمس،
8
بشيء من السذاجة، أن الله «شيء يستخدمه المرء.» إذ إن الابتهال إليه أو الاكتفاء بحبه أو تبجيله أو خشيته، كل هذه طرق للسلوك تجاهه، ومن ثم كانت، بمعنى ما، طرقا يلجأ إليها الناس لاستخدامه من أجل تحسين أحوالهم. (2) الحقيقة تعرف عن طريق المنفعة
ففي رأي البرجماتيين، إذن أن الحقيقي يرد إلى النافع، والحقيقي هو الذي ينطوي على أكبر قدر من إمكانات الاستخدام؛ فالإدراك الحسي مثلا يكون صحيحا إذا مكننا من استخدام الشيء ويكون باطلا إذا أدى، أو أمكن أن يؤدي، إلى إخفاق في الانتفاع به. فمثلا إدراك المجداف منكسرا في الماء هو إدراك حسي باطل؛ لأنه يؤدي إلى إخفاق في اللمس إذا تتبعنا المجداف بيدنا تحت الماء متوقعين أن نراه منحنيا، والهلوسة البصرية باطلة لأنها تدعو المرء إلى أن يتوقع أن يمس شيئا لا وجود له حسب الواقع.
وكذلك الحال بالضبط في الحقيقة العلمية، ولقد تحدث «هنري بوانكاريه
Henri Poincaré » بطريقة برجماتية (وقد كان ذلك تهورا منه، إذ إن حديثه لا يطابق فكرته الحقيقية) حين قال في مواضع عدة من كتابه الأول «العلم والفرض» إن العلم لا يهدف إلى الحقيقة - بالمعنى الشائع لهذه الكلمة - وإنما إلى اليسر في العمل. فمثلا «لا يمكن أن تكون إحدى الهندسات أصح من غيرها؛ بل يمكن فقط أن تكون أكثر يسرا منها لأنها .. أبسط .. ولأنها تتمشى إلى خصائص الأجسام الصلبة الطبيعية ... إلخ.» وبالمثل «كان كبرنك .. يقول: إنه لأكثر يسرا أن نفترض دوران الأرض، لأننا نعبر بهذه الطريقة عن قوانين الفلك بلغة أقل تعقيدا.» وبالمثل تكون الفروض العامة للعلم - كالنظرية الذرية - «نافعة»، وعلى هذا النحو يقال إنها صحيحة ... إلخ.
9
هاك إذن ما أراد «بوانكاريه» أن يقول: إن نظريات الهندسة، ونظريات علم الفلك وعلم الطبيعة، ليس لها أن تطمح إلى التعبير عن الحقيقة الواقعة، وعن كنه الأشياء، إذ من الممكن أن تعبر عن ذلك أيضا نظريات أخرى مختلفة عنها كل الاختلاف، وستكون هذه النظريات الأخرى على الدوام متفقة مع التجربة، ولكن على نحو أقل يسرا، أي بطريقة أشد تعقيدا، وأقل إرضاء للعقل. (3) نزعة رومانتيكية نفعية
وقد كتب معاصر للفلسفة، هو رينيه برتلو
Rene Berthelot ، تاريخ المذهب البرجماتي، تحت عنوان: نزعة رومانتيكية نفعية
Unknown page