322

( وإذ قال موسى لقومه ) بني إسرائيل ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) وذلك أنه وجد قتيل فيهم ، وكانوا يطالبون بدمه ، فأمرهم الله بذبح بقرة وأن يضربوه ببعضها ليحيى ويخبر بقاتله ( قالوا ) استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الكلام ، كأنه قيل : فماذا صنعوا؟ هل سارعوا إلى الامتثال أو لا. فقيل : ( قالوا أتتخذنا هزوا ) بضم الزاي وقلب الهمزة واوا ، وقرئ بالهمزة مع الضم والسكون. أي أتجعلنا مكان هزو ، أو أهل هزو ، أو مهزوا بنا ، أو نفس الهزو ، للمبالغة. وأشعر جوابهم ما ثبت من فظاظتهم ، إذ فيه سوء الأدب على من ثبتت رسالته وقد علموها ( قال ) استئناف كما سبق ( أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) لأن الهزو في أثناء تبليغ أمر الله ، سبحانه ، جهل وسفه. نفى عنه ، عليه السلام ، ما توهموه من قبله على أبلغ وجه ، وآكده ، بإخراجه مخرج ما لا مكروه وراءه بالاستعاذة منه ، استفظاعا له ، واستعظاما لما أقدموا عليه من العظيمة التي شافهوه ، عليه السلام ، بها. والعوذ : اللجأ من متخوف لكاف يكفيه. والجهل : التقدم في الأمور بغير علم.

** القول في تأويل قوله تعالى :

* (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر)

* عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون) (68)

( قالوا ) تماديا في الغلظة ( ادع لنا ) أي لأجلنا ( ربك يبين لنا ما هي ) ما حالها ، وصفتها. وذلك أنهم تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيى. فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشأن. الخارجة عما عليه البقر ، و ( ما ) وإن شاعت في طلب مفهوم الحقيقة ، لكنها قد يطلب بها الصفة والحال. تقول : ما زيد؟ فيقال : طبيب أو عالم. ( قال ) أي موسى عليه السلام ، بعد ما دعا ربه عز وجل بالبيان ، وأتاه الوحي. ( إنه ) تعالى ( يقول إنها ) أي البقرة المأمور بذبحها ( بقرة لا فارض ) أي لا مسنة. وقد فرضت فروضا ، فهي فارض ، أي أسنت. من الفرض بمعنى القطع. كأنها قطعت سنها وبلغت آخرها. ( ولا بكر ) أي لا فتية صغيرة لم يلقحها الفحل. ( عوان ) أي نصف ( بين ذلك ) أي سني الفارض والبكر ( فافعلوا ما تؤمرون ) هذا أمر من جهة موسى عليه السلام متفرع على ما قبله من بيان صفة المأمور به. وفيه حث على الامتثال ، وزجر عن المراجعة. ومع ذلك لم يفعلوا ، بل سألوا بيان اللون بعد بيان السن بأن :

Page 325