Mahasin
المحاسن والمساوئ
وحدّث صالح بن سليمان قال: وذكر ليحيى وهو مجاور بمكة أن بجدّة قومًا يصيدون السمك ويبيعونه ويشترون طعامهم به فإن لم يجدوا صيدًا مكثوا أيامًا لا يأكلون يشدّ الرجل على بطنه حجرًا ولا يسألون الناس شيئًا وربما مات أحدهم جوعًا، فقال: هؤلاء أعجب قوم سمعت بهم، ينبغي أن نلتمس الثواب فيهم، فبعث فحُمل إليه بعضهم فسأله عن حالهم فأخبره فقال: وكم أنتم؟ فذكر عدة، فقال: وكلكم على هذه الطريقة؟ قال: نعم، قال: فما يغنيكم؟ قال: تحفر لنا بركة يجتمع فيه ماء السماء فإن الماء يعز بالبلاد إلا على من كانت له مصنعة فيشرب منها ويبيع فضلها وينتفع بثمنه، قال: فبكم يكتفي أحدكم في الشهر؟ قال: بأربعة دراهم لكل رجل وللمرأة ستة دراهم، قال: فإني قد أجريت لكل رجل عشرة دراهم ولكل امرأة ثمانية عشر درهمًا، فهل تتزوجون؟ قال: نعم، قال: فكم مهور نسائكم؟ قال: أربع مائة درهم، قال: فإني آمر بإعطائكم ما أجريت عليكم لسبع سنين ولمهور نسائكم عشرين ألف درهم، قال: من يدفع هذا المال إلينا؟ فأشار إلى غلام أمرد معه فقال: ادفع إلى هذا المال، فدفع إليه، فقال: أتأذن أن أشتري، أصلحك الله، من هذا المال تابوتًا أجعله فيه؟ قال: نعم، وأمر باتخاذ بركة لهم بلغت النفقة عليها عشرين ألف درهم.
وحدثنا يزيد البرمكي قال: قدم الوافدي من المدينة بأسوإ حال فصار إلى يحيى وهو لا يعرفه فوضع الطويلة على رأسه، فركب يحيى وخرج فرآه جالسًا على باب داره في زي القضاة، فقام الواقدي وأثنى عليه ودعا له، ومر يحيى في موكبه إلى دار أمير المؤمنين ثم انصرف وإذا الواقدي في مجلسه ذلك، فقام إليه ودعا له وأثنى عليه، فدخل منزله وجلس الواقدي، فسأل يحيى عنه وقال: من هذا الشيخ الرثّ الهيأة؟ فلم يعرفه أحد. فقال: ويحكم لا أشك إلا أنه شيخ أصيل معه علمٌ وفقه، ودعا بكيس فيه أربعة آلاف دينار وأمر وكيلًا له أن يدفعها إليه، وكان قصارى الواقدي ومناه أن يصله بألف درهم، فخرج الرسول ووضع الكيس في حجره، فلما رأى عظم الكيس أقبل يدعو ليحيى ويثني عليه ثم قام وانصرف إلى منزله وقد أخذته الرعدة والحرص أن يرى ما في الكيس فيعرف منتهاه، فلما صار إلى حجرته استعار من بعض جيرانه ميزانًا وصنجات ثم فتح الكيس وإذا أربعة آلاف دينار فكاد أن يغشى عليه من السرور، فرمّ من حاله واتخذ ثيابًا سويةً وعمد على أن ينصرف إلى المدينة.
فلما كان من الغد بكّر على يحيى ليودعه فدخل وأنشد فرآه عالمًا فقيهًا مسامرًا بليغًا فأعجب به، فقام ليودعه فقال: أقم عندنا ولك في كل حول هذا المقدار، فأقام عنده.
1 / 95