14

Madhahib Al-Nas fi Sifat Al-Mahabba Lillah Azza wa Jal

مذاهب الناس في صفة المحبة لله عز وجل

Genres

مع الأدلة العقلية تبين الفرق، فإن الله ﷾ يقول: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧]، وقال تعالى: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: ١٠٨]، فبين أنه لا يرضى هذه المحرمات، مع أن كل شيء كائن بسبه، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥)﴾ [البقرة: ٢٠٥]. وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام وبإجماع سلف الأمة قبل حدوث أقوال النفاة من الجهمية ونحوهم، أن الله يحب الإيمان والعمل الصالح، ولا يحب الكفر والفسوق والعصيان، وأنه يرضى هذا ولا يرضى هذا، والجميع بمشيئته وقدرته) (^١). ويقال لهم أيضًا: (إن محبة المُتقرِب إلى المُتقرَب إليه تابع لمحبته وفرع عليه، فمن لا يُحِب الشيء لا يمكن أن يُحِب التقرب إليه، إذ التقرب وسيلة، ومحبة الوسيلة تبع لمحبة المقصود، فيمتنع أن تكون الوسيلة إلى الشيء المحبوب هي المحبوب دون الشيء المقصود بالوسيلة. وكذلك العبادة والطاعة إذ قيل في المطاع المعبود: أن هذا يُحِب طاعته وعبادته، فإن محبته ذلك تبع لمحبته، وإلا فمن فَمن لَا يُحِبهُ لا يُحِب طاعته وعبادته، ومن كان لا يعمل لغيره إلا لعوض يناله منه أو لدفع عقوبة فإنه يكون معاوضًا له أو مفتديًا منه لا يكون محبًا له، ولا يقال أن هذا يحبه ويفسر ذلك بمحبة طاعته وعبادته، فإن محبة المقصود وإن استلزمت محبة الوسيلة أو غير محبة الوسيلة، فإن ذلك يقتضي أن يعبر بلفظين محبة العوض والسلامة عن محبة العمل، أما محبة الله فلا تعلق لها بمجرد محبة العوض، ألا ترى أن من استأجر أجيرًا بعوض لا يقال أن الأجير يحبه بمجرد ذلك، بل قد يستأجر الرجل من لا يحبه بحال بل من يبغضه، وكذلك من افتدى نفسه بعمل من عذاب معذب، لا يقال أنه يحبه، بل يكون مبغضًا له. فعلم أن ما وصف الله به عباده المؤمنين، من أنهم يحبونه يمتنع أن لا يكون معناه إلا مجرد محبة العمل الذي ينالون به بعض الأغراض المخلوقة، من غير أن يكون ربهم محبوبًا أصلًا (^٢). ويقال لهم أيضًا: إن الله ﷿ قد فرق بين محبته ومحبة العمل له في قوله تعالى: ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ [التوبة: ٢٤]، كما فرق بين محبته ومحبة رسوله في قوله تعالى: ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، فلو كان المراد بمحبته ليس إلا محبة

(^١) شرح العقيدة الأصفهانية ص ٢٩. (^٢) مجموع الفتاوى ص (١٠/ ٦٩ - ٧٠).

1 / 14