وَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفِضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَتُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ الْفَتْحِ قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، وَالْجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ح الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ح الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَفَقَةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأْفَةٌ بِهِمْ فَكَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ عَنْهُمْ، وَتَرْكَ الِانْتِصَارِ مِنَ الظَّالِمِ لِلْمَظْلُومِ، وَرُبَّمَا تَرَكَ الِانْتِصَارَ لِلْمَظْلُومِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتَعْدَاءِ عَلَى ظَالِمِهِ، وَيَدَعُهُ وَلَا يُطَالِبُهُ بِمَظْلِمَتِهِ، وَلَكِنْ يَدْعُو عَلَيْهِ وَيُرِيدُ أَنْ يَذُوقَ الظَّالِمُ وَبَالَ ظُلْمِهِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَرَى أَنَّهُ قَدْ عَفَا عَنْ ظَالِمِهِ حِينَ تَرَكَ الِاسْتَعْدَاءَ عَلَيْهِ وَالِانْتِقَامَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ. فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الدَّاعِيَ عَلَى ظَالِمِهِ مُنْتَصِرٌ وَلَيْسَ بِعَافٍ عَنْهُ وَلَا مُتَجَاوِزٍ، وَمَنْ عَفَا وَجَبَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، فَكَأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْمُنْتَصِرَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَالْمُسْتَعْدِيَ عَلَيْهِ قَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْ ظَالِمِهِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ فِي انْتِصَارِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَجِبْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ٤٠] وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢]
⦗٣٠٩⦘ . فَقَوْلُهُ ﷺ: «مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ فَقَدِ انْتَصَرَ» تَعْرِيضٌ مِنْهُ لِكَرَاهَةِ الِانْتِصَارِ، وَإِشَارَةٌ إِلَى الْعَفْوِ الَّذِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ