Mabahith Cilmiyya Wa Ijtimaciyya
مباحث علمية واجتماعية
Genres
أوهام أصلها أحلام، تطوف بالناس وهم نيام، فينتقلون وهم في مكانهم مقيمون، فقالوا الإنسان اثنان؛ جسم مقيم، وروح يهيم، يفارق ثم يعود، ولا ينفك إلا إذا حل الموت الزؤام، فينطلق في منفسخ الوجود، يذكر المعاهد والعهود. وما ذلك إلا ذكرى ما كانوا يعلمون لو كانوا يفقهون.
رأى الأوائل أنهم يرقدون ثم يستيقظون، ويغمى عليهم ثم يفيقون، وقد يدفنون كأموات فيقومون، فداخلهم أن الموت رقدة، ثم يبعثون بعثا تحيا به أجسادهم وتعود إليها أرواحهم، ذلك خير لهم من موت يكرهون، فدفنوا معهم كل ما كانوا يحتاجون إليه في الحياة الدنيا من طعام وشراب ولباس ومتاع وسلاح به عن حياضهم يذودون، وعبيدا يخدمونهم في الحياة الأخرى، وأعدوا لهم البلايا رءوسها في الولايا، يركبونها يوم يحشرون.
من الناس القوم الأشرار، ومنهم القوم الأخيار ، فانتشرت أرواحهم في الأرض كل يعمل على شاكلته، فخافوا الأرواح الشريرة، ولاذوا بالأرواح الصالحة يتعوذون بكل ملك كريم من كل شيطان رجيم.
آباءنا، كنا بررة وأنتم أحياء، وما نعقكم أمواتا، فما نحرمكم من كل ما كنتم به تتمتعون؛ فقد أعددنا لكم طعاما مما كنتم تأكلون، وشرابا مما كنتم تشربون، وزودناكم كل ما كنتم إليه تحتاجون، وحنطنا أجسادكم تحنيطا وأعددنا لها القبور؛ لتحفظ إلى يوم النشور، وقد زيناها بالزهور؛ لعلكم عنا ترضون، وإيانا تذكرون.
ذكرى لم يكن يقصد بها سوى الإكرام، ثم استرضاء خوفا من زوال منفعة، ثم تجسم الوهم حتى ضاع الرشد في هوى حب النفس، فقاموا يعبدون ما يجدون.
حيوانا يجاور القبور، أو نباتا ينبت على هذا المكان المأنوس والمهجور. قد يتعالى وتنزل أصوله إلى باطن القبر المعمور؛ فلعل روح الحبيب انتقلت إلى هذا الجار القريب. وما كانوا إلا واهمين فيما كانوا يزعمون.
تناسخ تمسخ به أرواح الأشرار، وتترقى به أرواح الأخيار، خالط الناس فيه جميع أصناف الكائنات، حتى اختلط عليهم أبشر ما يرون في صورة حيوان وجماد ونبات، وباتوا في أمورهم حيارى لا يدرون.
وهموا أن الحياة الأخرى كالحياة الدنيا، مساكن الموتى فيها إنما هي مساكن الأحياء أو هي قريبة منها؛ عنها يرحلون، وعليها يترددون، ثم لمع نور ضئيل في ظلمات الأوهام، فأبعدوها إلى الغابات والحراج، فالبراري فالجبال الشاهقة، حيث صارت أقرب إلى الغيوم والارتفاع منها إلى السماء، بعد أن كانوا قد هبطوا بها إلى أعماق الجحيم، قبل أن استقل به الشياطين وفصلوه عن النعيم، فأكرموها في الحيوان والأشجار، فالحجار فالقفار، حتى وقفت بهم الآمال، على أعالي الجبال، لما رأوا فيها من المهابة والجلال. وهم يهيمون فيما راحوا عنه يبحثون.
عبدوا أبا كريما، أو ملكا عاتيا أو حليما، أو حيوانا نافعا أو شريرا، أو شجرة في العراء، يستظل بها من الرمضاء، أو بئرا يردونها في الصحراء، أو حجرا أسود سقط من العلاء، أو نهرا يروي رياضهم، أو نارا يصطلون بها، أو طبائع تميل إليها شهواتهم، باتوا في سبيلها متهالكين. عبدوا ذلك كله دفعا لمكروه، واستجلابا لمنفعة. معبودات تعدادها تعداد الكائنات، فأنواع المنافع فأصناف القوات. وما كانوا إلا أوهامهم يعبدون.
احتجبت عنهم آلهتهم، فقالوا صعدت إلى السماء. فقصدوا الجبال الشاهقة يناجونها منها، فبرزت لهم الشموس الساطعة، والكواكب اللامعة، فانبهرت أبصارهم من جمالها وهم إليها ينظرون، فقالوا إن هي إلا آلهتنا أو مساكن آلهتنا، نعبدها أو نعبدها فيها. وما كان آباؤنا على هدى فيما كانوا يعبدون.
Unknown page